الأحد, 13 يونيو 2021 11:47 ص

متابعة / المركز الخبري الوطني

قطعة صغيرة من نسيج صوفي مطرز بنية اللون عُثر عليها في النرويج مؤخرًا، قد ‏يعتبرها البعض للوهلة الأولى قطعة نسيج ‏مهملة، لكنها في حقيقة الأمر تُعد اكتشافًا ‏أذهل علماء الآثار، إذ تعود إلى عصر الفايكنغ، منذ ألف عام تقريبًا‎.‎

ويُعد عصر الفايكنغ فترة هامة في‎ ‎التاريخ الأوروبي، وخاصة أوروبا الشمالية والتاريخ ‏الإسكندنافي، وتمتد من أواخر القرن ‏الثامن حتى القرن الحادي عشر، وعن طريق ‏الحرب التجارة جاب الفايكنغ النرويجيون أوروبا من الشمال وصولًا لجنوب ‏المتوسط‎.‎

وعن الاكتشاف المذهل تقول عالمة الآثار روث إيرين أوين في‎ ‎المتحف الجامعي ‏بالجامعة النرويجية‎ ‎للعلوم والتكنولوجيا “إن ‏العثور على المنسوجات المطرزة من ‏عصر الفايكنغ أمر غير معتاد لدرجة أنك لا تستطيع أن تصدق أنه أمر حقيقي‏‎.‎

وتتابع: “أولئك الذين يعملون في مجال الآثار يسعدون إذا وجدوا قطعة قماش طولها سم ‏في سم واحد، لكن في هذه الحالة لدينا ما ‏يقرب من 11 سم من بقايا النسيج، كما أن ‏اكتشاف عملية التطريز ذاتها يعد أمرًا فريدًا تمامًا‎”.‎

كان هذا الاكتشاف فريدًا جدًا لدرجة أن أويان لم تصدق ما رأته من خلال عدسة ‏المجهر، فتقول: المنسوجات المطرزة من عصر ‏الفايكنغ شيء نعرفه فقط من عدد قليل ‏من المقابر الفخمة، مثل‎ Oseberg ‎وMammengraven ‎في الدنمارك‎”.‎

قبر غير عادي

عثر العلماء على النسيج في قبر امرأة في هيستنس في مقاطعة ترونديلاغ الجنوبية ‏بالنرويج، أثناء عمليات التنقيب في عام ‏‏2020، ويرجع تاريخ القبر إلى ما يقرب من ‏‏850-950، في منتصف عصر الفايكنغ‎.‎

وُضعت المرأة المتوفاة في حجرة دفن خشبية في كومة طويلة فوق القبر، يعتبر هذا ‏النوع من المقابر أمرًا غير معتاد في وسط ‏النرويج‎.‎

ويقول عالم الآثار ومدير مشروع التنقيب ريموند سوفاج: “تنتشر مقابر الغرفة بشكل ‏أساسي في بيركا وسكانيا (اسكونه اليوم) ‏بالسويد، وفي المناطق الدنماركية السابقة، ‏والأجزاء الجنوبية الشرقية من النرويج، وهيديبي في ألمانيا اليوم‎”.‎

وبحسب مدير مشروع التنقيب فإن اللقى الجنائزية التي عُثر عليها تعد أمرًا خارجًا عن ‏المألوف؛ حيث دُفنت المرأة مع بروش ‏من ثلاثة فصوص، وهو اكتشاف نادر جدًا في ‏النرويج، لكنه معتاد في المناطق الدنماركية القديمة، كما تم دفنها مع عدة مئات ‏من ‏اللآلئ الصغيرة، وهو نوع معروف فقط في عدد قليل جدًا من المقابر النرويجية‎.‎

وبشيء من التفصيل يشرح سوفاج طبيعة الاكتشاف: “اللآلئ كانت مركزة على كتفها ‏الأيمن، لكننا لا نعرف ما إذا كانت عقدًا ‏من اللؤلؤ أم شيء آخر، تم تفسير اكتشاف من ‏مستعمرة “هيديبي” مع لآلئ مماثلة على أنه تطريز باللؤلؤ بشكل أو بآخر، ‏ومن ‏المعقول أن يكون الأمر كذلك هنا‎”.‎
‎”‎
‎ومع ذلك، فإن المنسوجات هي أكثر الاكتشافات استثنائية في القبر‎”.‎

‎2000 ‎‏ خروف لشراع

وعثر علماء الآثار أنهم عثروا على بقايا 8 منسوجات مختلفة في القبر، 6 قطع من ‏القماش الصوفي واثنتان من قماش الكتان، ‏تختلف الأقمشة من حيث الجودة والهيكل ‏والمظهر‎.‎

وفي هذا السياق تقول أويان: “اليوم نتخلص من الملابس ونشتري ملابس جديدة دون ‏التفكير مرتين في الأمر، لكن هذا لم يكن ‏بالتأكيد هو الحال في عصر الفايكنغ‎”.‎

وتابعت: “لصنع منسوجات تكفي كساء أسرة لمدة عام، يتطلب الأمر عامًا كاملًا من ‏ساعات العمل. ومن الأمور البديهية أنه لم ‏يكن بوسع أسر الفايكنغ الحصول على ‏ملابس جديدة كل عام؛ حيث كان يتم تبادل الكثير منها‎”.‎

ومن بين الأمور المثيرة للاهتمام، أن صنع الأشرعة لقارب عصر الفايكنغ كان يتطلب ‏صوفًا من 2000 خروف. وبين العمالة ‏والمواد الخام، قدر العلماء قيمة شراع‎ ‎عصر ‏الفايكنغ‎ ‎بين 15 و 20 مليون كرونة نرويجية بأسعار اليو (2.4 مليون دولار ‏أميركي‎).‎

وهنا تلفت عالمة الآثار روث أوين إلى حقيقة هامة، وهي أن المرأة صاحبة القبر ‏المكتشف كانت مزينة بالكثير من الملابس، ‏وهو ما يعني أنها دفنت بأشياء ذات قيمة ‏عالية جدًا‎.‎

وتردف: “أعتقد أن المنسوجات الموجودة في القبر كانت ذات قيمة مثل الأشياء التي ‏أحضرتها معها كاللآلئ إن لم يكن أكثر ‏منها‎”.‎

فحص الملابس

ووفقًا لتخيل العلماء فإن المرأة كانت ترتدي ثوبًا مقلوبًا، تم تثبيته بدبابيس السلحفاة، ‏تحت الفستان ربما كانت ترتديه على قميص ‏من الكتان أو الصوف الناعم، ومن المرجح ‏أنها كانت ترتدي رداءًا به عناصر زخرفية مطرزة فوق كتفيها‎.‎

ومن بين المهام التي يتصدى بها علماء الآثار في هذا الاكتشاف، إلقاء نظرة فاحصة ‏على ألوان الملابس‎.‎

وتقول روث أوين: “تحت المجهر يمكننا أن نرى أن بعض خيوط التطريز لها لون ‏مختلف عن النسيج الموجود تحتها، قد يكون ‏هذا بسبب تأثر أنواع الألياف المستخدمة ‏في خيوط التطريز باختلاف الوقت الذي تقضيه في التربة عن الألياف الموجودة ‏في ‏القماش، نأمل أن تزودنا المزيد من التحليلات ببعض الإجابات‎ “.‎

وتضيف أن تحليل لون المنسوجات التي تعود إلى‎ ‎عصور ما قبل التاريخ‎ ‎يمثل تحديًا ‏كبيرًا، حيث صُبغت هذه المنسوجات ‏بالنباتات دون استخدام المواد الكيميائية، ومن ثم ‏تسربت الألوان إلى الأرض على مدار الـ 1100 عام الماضية‎.‎