الجمعة, 5 يوليو 2019 9:32 م

مأساة انسانية تدق ناقوس الخطر على مستقبل شبابنا، اذ ان ظاهرة الانتحار باتت تقلق المجتمع بأكمله، لذا تحتاج إلى دراسة للوقوف على أسبابها ودوافعها الرئيسة، ولذلك فقد اوصى عدد من المعنيين بضرورة تكثيف الدورات والورش لتوعية الشباب حول مخاطر استخدام الانترنت والتواصل الاجتماعي والمخدرات ومخالطة اصدقاء السوء، والتأكيد على اهمية التمسك بقيم ديننا وعادتنا وتقاليدنا في نبذ العنف والحرص على السلم المجتمعي.

“رسم المعالجات”
دعا نقيب المحامين العراقيين ضياء السعدي الى التصدي لظاهرة الانتحار، والبحث في عوامل انتشارها ،ورسم المعالجات المطلوبة لها من قبل الجهات الحكومية والمؤسسات المعنية، وشدد على ضرورة التدخل التشريعي لتعديل المواد والقرارات التي تعالجها في قانون العقوبات ، وحماية الفرد من نفسه بغض النظر عن السلوكيات التي ادت به الى فعل ذلك، واصدار الحكم على من يقوم بتحريض الفرد على الانتحار، وقد وصلت عدد حالات الانتحار مايقارب الـ (10) حالات بشكل يومي، ولا بد من انشاء مصحات للمعالجات النفسية والاجتماعية للفرد وتجنبه من كل المحاولات واعادة دمجه بالمجتمع .

“وحدات صحية”
ومن جهتها اوضحت الدكتورة نورة علي / اختصاص الصحة النفسية أن هناك عوامل بيولوجية اجتماعية نفسية، وربما تكون مجتمعة تسبب الاكتئاب الشديد المؤدي الى الانتحار، او قد يصاب بالعوق او الجلطة الدماغية ، ومن الضروري أن يكون الاهل على دراية ووعي بأهمية العلاج النفسي والتعاون مع الجهات الصحية والذهاب به الى وحدات الصحة الاجتماعية والارشاد النفسي من اجل معالجته ، فضلا عن وجود مكاتب للخدمات المدرسية في الوحدات الصحية، تتم احالة الطالب الى المكتب لمعالجة الطلبة من كلا الجنسين والمصابين بالامراض النفسية والاكتئاب لمدة شهر او شهرين، بالتعاون مع طبيب واختصاصي اجتماعي كفريق ثلاثي للوصول به الى الشفاء الكامل.
وتشكو الاختصاصية النفسية من عدم تعاون الأهل في فهم أهمية علاج ابنهم النفسي وخاصة الفتيات، لوجود شعور بالعار تجاه علاجهن النفسي، وبالنتيجة يؤدي إلى تفاقم الحالة والوصول إلى الانتحار.

“الشعور بالاحباط”
اما العميد خالد فلاح المحنة مدير الشرطة المجتمعية قال :نحن بحاجة إلى دراسات دقيقة علما بأن الحالات كثيرة وتزداد بشكل مستمر، واشار إلى وجود حالات انتحار حقيقية تكون قاضية، منها محاولات شنق النفس أو إطلاق الرصاص، واخرى محاولات فاشلة وغير مقصودة منها شرب العقاقير أو السم وهي محاولات غير جادة غالبا، ومن اسبابها، المشاكل الاقتصادية ، والاجتماعية نتيجة الاوضاع السيئة التي يعيشونها من تخلف وفقر وجهل وبطالة، والاستخدام السيء لوسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن معاناته من مرض الاكتئاب خصوصا عند فئة الشباب، وزيادة البطالة بينهم تصل به الى الشعور بالإحباط مما تدفعهم الى تعاطي المخدرات للهروب من واقعهم المرير. والدليل على ذلك ؛هناك محاولة لانتحار شاب يبلغ من العمرحاليا 25 عاما، حاول الانتحار وهو في ريعان شبابه 16 عاما بعد تناوله مادة سامة تسببت له آلام حادة في بطنه، واستطاعت عائلته من انقاذه بأعجوبة في آخر لحظة،وتبين من خلال حديثه؛ لم يكن يشعر بالخوف أو التردد لانه يعيش حالة من الانهيار العصبي نتيجة الكره للمجتمع والظروف المعيشية السيئة ( الفقر) التي يعاني منها والإحساس بالإهمال والضياع من قبل اهله والمجتمع.
واشار المحنة الى مشكلة البطالة حيث يوجد بالعراق ( 210) الف عامل اجنبي يعملون بالقطاع الخاص ، ولم تسنح الفرصة بايجاد عمل للشباب في مجتمعنا مما تدفعهم الى الياس واندفاعهم الى ارتكاب جرائم بحق أنفسهم ، لذا نحن بحاجة الى وقفة جادة وتعاون مجتمعي بين الحكومة، وزارة الداخلية، وزارة الشباب وجميع القوى الفاعلة للقضاء على هذه الظاهرة .
مشددا على أن الشرطة المجتمعية تتعامل مع كل قضية بروح القانون مقدرة ظروف الوضع المجتمعي وتقديرمصلحة المجتمع، وقد يكون حفظ القضية ردع للمجتمع، ورغم أن الفاعل مجرم بحق نفسه لكننا نأخذ ظروف العائلة والبعد الاجتماعي بعين الاعتبار.

“منح القروض”
في ذات السياق قال الدكتور مصطفى الفكيكي قائمقام الكرخ : الانتحار حالة طارئة خلقتها الظروف غير الطبيعية جعلت الشباب يعيشون حالة من الاحباط تصل البعض منهم الى الانتحار خاصة في ظل ضعف الوازع الديني، والتوعية الدينية وضعف التكافل الاجتماعي، والظروف الاجتماعية والاسرية والعاطفية والمشكلات العائلية والفشل الدراسي ومشكلات العمل والاحباطات الحياتية العامة.
واكد الفكيكي على كيفية معالجتها؛ وضع ستراتيجية لمعالجتها وذلك بتكاتف جهود المجتمع والدولة للتقليل من معدلات الفقر والبطالة من خلال توفير فرص العمل بالقطاعين الخاص والصناعي ومنح القروض المصرفية لهم، وتامين البرامج الاعلامية والثقافية لتوعيتهم، ومساعدتهم من قبل العشيرة بتوفير فرص الزواج ،والمسكن، والاهتمام بالتأمين الصحي للمرضى النفسيين.

“التوعية النفسية”
بينما ترى عضو مجلس محافظة بغداد مهدية اللامي: بالرغم من الجهود المبذولة لعلاجها لكنها ماتزال قاصرة في ايجاد الحلول وزيادة أعداد الضحايا، بسبب قلة الوعي بين الشباب والمراهقين الذين يلجأون الى المخدرات للهروب من آلامهم النفسية وقسوة واقعهم. وايضا وجود حالات كثيرة عند المراة لكنها اقل جرأة من الرجل كونها تلجأ الى الادوية او السم لان طبيعتها ميالة الى الخوف ، اما الرجل يستخدم طرقا حاسمة كاطلاق الرصاص او الشنق وتنفيذه باكثر جرأة وبدون تردد. وطالبت تعاون وسائل الاعلام مع الجهات المعنية لنشر التوعية النفسية لدى المجتمع ، وتقديم الحلول الناجحة عبر تكاتف جهود السلطات الرسمية والأكاديمية والدينية بوضع خطة عمل علاجية لمثل هذه الحالات المرضية وخضوعها لجلسات طبية نفسية، واخرى دينية وتوعوية وثقافية تعيد الثقة في نفوسهم وتحبط مشاعر الاحساس باليأس.

“انتشار الالعاب الالكترونية”
فيما حذر علاء شون حسين رئيس مؤسسة ارشاد للتحكيم والتنمية الثقافية والقانونية والانسانية: من خطر تحولها الى عائق اجتماعي يزيد من تدهور الوضع في المجتمعات العربية، وجاءت تقارير منظمة الصحة العالمية بان الدول العربية على قائمة البلدان الاكثر تسجيلا لمعدلات الانتحار بنسبة 4 منتحرين في كل 100 الف نسمة ، واحتل العراق نسبة 1.7 وقد شهدت محافظة ديالى 53 حالة انتحار خلال عام 2018 وفق تقرير مفوضية حقوق الانسان، وسجلت محافظة ذي قار 59 حالة ، واسبابها بالدرجة الاولى الاكتئاب، وتعاطي المخدرات والكحول والاضطرابات النفسية والبطالة، وعدم الزواج من فتاة يرغب بها، او من طائفة اخرى.
وأثار حسين ؛ خطورة انتشار الألعاب الإلكترونية باعتبارها اهم الاسباب المؤثرة في الاونة الاخيرة وتحرض على العنف والقتل والانتحار، وانتشرت بين الأطفال والمراهقين من الشباب والفتيات واخذت تفترس عقولهم وتؤثر على سلوك الطالب بشكل خاص، وتعزله عن بيئته المدرسية ومجتمعه، وطريقة تعامله مع المحيطين به ومنها؛ التنمر أو العنف لدى الاطفال والأسرة ، وقد يمارس خلالها العنف والسلوكيات المكتسبة من تلك الألعاب على أخوته في المنزل أو الأطفال في المدرسة.
مطالبا ضرورة وجود تشريع قانوني يمنع استيرادها، وتضافر الجهود المجتمعية للقضاء على هذه الآفة التي تهدد كل بيت وأسرة وتخلق حالة من القلق والتوتر لدى أفرادها.
وأكد حسين؛ بأن مصمميها وخاصة ألعاب الفيديو دخلوا في أعماق المجتمعات العربية والإسلامية لهدم القيم والأخلاق الذي تربى عليها الأطفال، لذلك انتجها تنظيم الدولة الإرهابية (داعش) لكي يبثوا أفكارهم المسمومة في نفوس الأطفال والمراهقين، ومن خلالها يتم استدراجهم ومعرفة مشاكلهم النفسية والتعامل معها للسيطرة عليهم، وبالتالي تؤدي إلى العزلة والاكتئاب وبالتالي الانتحار. لذلك تتطلب هذه الظاهرة وعي مجتمعي بالتعامل مع فئة الشباب لكلا الجنسين وتحتاج الى التفاته حكومية للنظر في أسباب ارتفاعها ومعالجتها.