الأحد, 13 يونيو 2021 10:05 ص

بغداد /المركز الخبري الوطني

في شتاء عام 2018 دبت الحياة من جديد في الاهوار العراقية بعد سنوات طويلة من الجفاف والتي خسرت فيها الأهوار الكثير من مساحاتها ومن حيواناتها ومن حياتها وتنوعها البيئي، وهاجر السكان بحثا عن العشب والماء الى مناطق الفرات الأوسط، حيث نفق الجاموس في مشهد بعث على الحزن والرعب في تلك المناطق التي تشكل ظاهرة طبيعية متفردة.
ومنذ العام 2003 وحتى الآن، تعرضت الاهوار العراقية إلى الجفاف لأكثر من مرة، ففي العام 2003 كان الجفاف قد خيّم على تلك المناطق واستذكر السكان حقب التجفيف والتشريد التي لحقت بهم ابان نظام صدام حينما كانت تلك الأماكن موقعا مهما للمعارضين لنظام صدام.
كما حصل الجفاف أيضا في العام 2007 وتضررت بيئة الاهوار كثيرا، فيما حصلت موجة جفاف أخرى في العام 2014، والتي كانت الأقسى على السكان حيث وصلت المناسيب الى معدلات مخيفة وانحسرت المياه كثيرا حيث نفقت الاف من الجاموس، فيما حصلت موجة جفاف أخرى ضربت تلك المناطق في العام 2018 والتي تراجعت فيها المياه أيضا وهاجر السكان الى مناطق بعيدة حيث الماء.
وفي صراحة واضحة، يؤكد مسؤول رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية في مناطق الاهوار، رعد الأسدي بأن مناسيب الاهوار تواصل إنخفاضها لتصل الى مادون 140 سم وهو مؤشر خطير على أن الجفاف قد يحدث في أي لحظة ويعد بذلك مؤشر خطير على التنوع الإحيائي والسكان في تلك المناطق، خاصة وأن الانخفاض هذا حصل في وقت مبكر قبل دخولنا الصيف وذروة الحر وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير.
يؤكد الأسدي خلال حديثه لـ”المركز الخبري”، إن”الإنخفاض تزامن مع زراعة الشلب التي تستهلك كميات كبيرة من المياه اضافة للتجاوزات المائية التي تتكرر من قبل بحيرات وأحواض الأسماك والتجاوز على الحصة المائية من قبل المحافظات الاخرى، وكل ذلك دفعت الاسباب بأن تكون مباشرة على مياه الاهوار”.
يضيف الأسدي أنه “في كل مرة تجف فيها الاهوار تكون هناك خسائر بيئية وخسائر في الثروة الحيوانية والسمكية، وفي كل مرة نفس الأثار البيئية يترتب على كل جفاف وهو نفوق الأسماك والحيوانات وفقدان سكان الاهوار لفرص العمل بسبب جفاف مساحات واسعة من تلك الاهوار وإرتفاع بدرجات الحرارة وهذه الأسباب تتكرر مع كل جفاف”.
وبين الأسدي بأن “الأهوار مقبلة على فترة يتوقع أن تكون جافة بسبب إنحسار كميات المياه وحجم التبخر بالإضافة إلى إنخفاض مناسيب المياه وقلة الإطلاقات المائية وسد أليسو التركي والتي من شأنها أن تزيد من عمليات الجفاف”.
الجفاف قادم
يقول الناشط البيئي والمسؤول في منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي أن مناسيب المياه في الأهوار الآن ما زالت جيدة ، حتى ولو انخفضت عشرين سنتمتراً أخرى، لكنني أفكر أبعد من ذلك فبأسبوع واحد فقدنا سبعة سنتمترات عمقاً ، فما عسانا سنفعل مع قِمة التبخر في حزيران وتموز وآب، ناهيك عن ارتفاع الملوحة وزيادة تأثيرات التلوث”.

وأستغرب التطمينات على اننا بعيدون عن شحة المياه أننا ينبغي ان ننام وملئ جفوننا الأرقُ كما يقول الأسدي لـ”المركز الخبري” كيف أصدقُ أذني وأكذبُ عيني ومنطقَ العقلِ والتجربة وكيف ارسمُ منحنى المياه والمؤشرات المؤكدة تضع بين يدي أرقامها المرعبة: الرافدان دجلة والفرات يفقدان نصف واردهما المائي، سد دربندخان لا تصلهُ قطرة ماء من الجانب الأيراني”.

يزيد في القول، “بحيرة دوكان تفقد 70% من خزينها ، سد حمرين لم يتبقى فيه سوى 450 مليون متر مكعب من المياه بعد أن تجاوز عام 2019 طاقتهُ القصوى المقدرة بمليارين وثمانمائة مليون متر مكعب، ونهر ديالي يكاد ان يموت عطشاً”.

وتساءل الأسدي، هل سستنزف في الموسم الصيفي الحالي والموسم الشتائي القادم جل ما لدينا من مياه خزن وبنظام ري تقليدي سومري،ماهي حدود الخزن وكميات التصاريف ومؤشرات المناسيب التي تجعلنا بمأمن من هذا الأضطراب وهذا القلق؟ وهل مصارحة الناس بالحقيقة لمواجهة المخاطر والتكيف مع طبيعة التحديات ،والتخفيف من نتائجها مثلبة وعدوانية وتخويف لمستهلكي المياه وعامة الشعب، ام العكس مما يظن صانعوا القرار؟ نحنُ على ابواب شحة مياه وهذا ليس اتهاماً لأحد ، ومن يرى عكس ذلك عليه ان يكشف امام الناس دليلهُ بالأرقام”.

موقف لجنة الزراعة والأهوار

يرى النائب عبدالأمير الدبي عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار أن السياسة الخارجية العراقية مقصرة تجاه مايحصل من تصرفات وإستهتار تركي فيما يخص حصة العراق المائية، كما أن تشييد السدود على الحدود العراقية من قبل تركيا على منابع نهر دجلة والفرات هو تجاوز على كافة الأعراف الدولية”.

يضيف الدبي خلال حديثه لـ”المركز الخبري”، أن “وزارة الخارجية العراقية لم تتخذ الإجراءات المناسبة تجاه التجاوزات التركية وهناك موضوع مهم من الممكن أن يستثمره العراق لإيقاف تجاوزات تركية على الحصة المائية، خاصة وأن الأهوار في جنوب العراق أصبحت ضمن لائحة التراث العالمي”.

يتابع الدبي، “الإنتماء للتراث العالمي يجعل لها حق أن تثبت حصتها المائية دوليا وقانونيا ولكن الارادة العراقية والحكومة والمعنين لم يستثمروا هذا الموضوع أو قرار الأمم المتحدة بجعل الاهوار ضمن لائحة التراث وضمان حصته المائية ونحن كنواب وكعراقيين نطالب الحكومة العراقية وخاصة وزارة الخارجية والموارد المائية ان يكون لهما دور إيجابي بإيقاف التجاوز على حصة العراق المائية”.

لا مخاوف على الأهوار
كان مركز إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة في وزارة الموارد المائية قد بدد المخاوف بشأن وضع الأهوار مؤكدا على لسان مديرها العام سميرة عبد شبيب أن وضعها جيد جدا ولا يدعو للقلق لافتة الى أن “حصة الأهوار المائية من الخزين الذي تطلقه الوزارة محفوظة، رغم بعض التجاوزات من قبل بحيرات الأسماك الموجودة قبلها والأراضي التي هي خارج الخطة الزراعية، والتي تعمل الوزارة على رفعها وإزالتها بالرغم من تعرض الموظفين الى اعتداءات مستمرة من قبل أصحاب هذه المشاريع.
ويؤكد المركز في بيان الأسبوع الماضي على أن “كمية الحصة المائية لا يمكن أن تكون نفسها في موسم الفيضان والشح على حد سواء، إذ يجب أن تكون هناك مقاييس وتدرجات وحسب الخزين المتوفر، لكي يمكن إدامتها لفترة أطول سواء كانت للزراعة أو الأهوار أو باقي الاستخدامات الأخرى”.
ويشير المركز إلى أن “الأهم من ذلك هو العمل بتعاون وتكاتف لإنجاح الخطط الزراعية التي تضعها الوزارة حتى لو قللت المساحات الزراعية، إلا أننا نرى في مثل هذه الحالات تحريضا واضحا من قبل المواطنين ومنظمات المجتمع المدني وبعض الجهات الحكومية، مما يحبط العاملين في مجال إدارات المشاريع والمديريات وجميع مفاصل الوزارة”، منبهةً الى أن “هذا الأمر يمثل تحدياً كبيراً يحتاج الى ثقافة ووعي”.
ويوضح أن “إغمار الأهوار يبلغ الآن 73 % وهو جيد جداً، وهي أراض رطبة تمتص الماء بالفيضانات وتخرجه للمناطق العميقة وقت الشح مما يعزز الخزين المائي.
وتبلغ مساحة الأهوار في مناطق جنوب العراق ما يقارب 40 الف كلم مربع، حيث تمتد على محافظات ميسان والبصرة وذي قار، ودخلت كل من أهوار الحمار الشرقي والغربي والأهوار الوسطى الى لائحة التراث العالمي في العام 2016، لكنه لم يتم تطويرها

وتشكل مساحة الاهوار في الناصرية خمس مساحة محافظة ذي قار، وتتوزع على 10 وحدات إدارية من أصل 20 تضمها المحافظة، إذ تقدر مساحتها قبل تجفيفها مطلع تسعينات القرن الماضي، بمليون و48 ألف دونم، في حين تبلغ المساحة التي أعيد غمرها بالمياه بعد عام 2003 نحو 50 بالمئة من مجمل المساحة الكلية لأهوار الناصرية.
وأزاء كل هذه المخاوف، ينتظر سكان الأهوار الأيام المقبلة لمعرفة مصيرهم ومصير حياتهم فيما لو إنخفضت مناسيب المياه لتصل أقل من المتر، والخوف أكثر من تكرار مشهد الجفاف الذي حصل خلال السنوات الماضية، لكن الصورة حتى الان لم تكتمل في ظل صمت حكومي تجاه بيئتهم التي عاشوا فيها منذ الاف السنين.