الخميس, 9 مايو 2024 2:58 م

سلسلة مقالات في استراتيجيات الأمن الوطني ومواجهة التحديات

*د. سيف الدين زمان الدراجي*
في عالم يزداد تعقيداً وترابطاً، يبرز دور مجلس الأمن القومي كحجر زاوية في صون المصالح الوطنية وتعزيز الأمن القومي. تتشكل هذه الأهمية من خلال القدرة على التنسيق الفعّال بين مختلف الوكالات الحكومية وصياغة استراتيجيات تفاعلية لمواجهة التحديات الأمنية المتنوعة. في هذا المقال، نستعرض الدور الاستراتيجي الذي يلعبه مجلس الأمن القومي في حماية المصالح الوطنية.
يعد مجلس الأمن القومي (NSC) بمثابة المجلس الاستشاري الرئيسي للرئيس أو رئيس الوزراء لاتخاذ القرارات بشأن مسائل الأمن القومي والسياسة الخارجية. من حيث دمج السياسات الداخلية والخارجية، و تواجد مجموعة من اعضاء الحكومة المحوريين، بما في ذلك الدفاع والخارجية والعدل والمالية والداخلية ورؤساء الاجهزة الاخرى الامنية والاستخبارية. مع إمكانية إستضافة أي شخصية حكومية قد تتطلب الحاجة والضرورة الامنية وجودها. يتم تعزيز النهج الشامل للأمن القومي من خلال هذه المجموعة الكبيرة والمتنوعة من الاختصاصات، مما يضمن أخذ جميع العوامل ذات الصلة في الاعتبار قبل اتخاذ القرارات المهمة.
يكون مجلس الامن القومي مسؤولاً عن إقرار و تطوير السياسات و الإستراتيجيات. حيث يعمل كمركز أبحاث إسترتيجي، يقوم بإجراء تحليلات للتهديدات والفرص المحتملة، وتطوير خطط عمل طويلة المدى للأمن القومي. ويتضمن ذلك الاستعداد لمخاطر جديدة، مثل الحرب السيبرانية أو الهزات الاقتصادية او الأوبئة، وهي لا تزال في طور التشكل. وقبل حدوثها. مع ضرورة عدم الدخول في متاهات التفاصيل على المستويين العملياتي والتكتيكي. كون ذلك من مهمة الجهات القطاعية التي تضع سياساتها وخططها وفق ما تحدده واجباتها وتقتضيه مسؤولياتها.
عندما يتعلق الأمر بمسائل الأمن القومي، فإن العديد من الجهات الحكومية لديها في بعض الأحيان سلطات تتداخل مع بعضها البعض. وهنا يعمل مجلس الأمن القومي (NSC) كمضلة جامعة ومركز محوري، يضمن عمل المؤسسات الأخرى معًا لتحقيق هدف مشترك ولتمكين التواصل فيما بينها.
عند مواجهة مخاطر غير متوقعة أو صراعات دولية، يلعب مجلس الأمن القومي (NSC) دورًا أساسيًا في إدارة الأزمات. حيث يتم جمع صناع القرار المهمين معًا، ويتم إجراء تقييم سريع للموقف، لتقديم مجموعة متنوعة من البدائل للقائد والتداعيات المحتملة لكل منها. على ان تواكب عجلة التطور التكنولوجي ومقومات العمل الحداثوي غير الكلاسيكي.
عادة ما يقع على عاتق مجلس الامن القومي اتخاذ قرارات جوهرية تتطلب ادارة المخاطر والتحديات والتهديدات بشكل متوائم مع ضمان عملية ادارة التغيير التنظيمي. وهنا لابد من متابعة تنفيذ هذه القرارات لما قد تواجهه من مقاومة تنظيمية من قبل الجهات المنفذة، اما بسبب الخوف من التغير او عدم الرغبة في تغيير اطر العمل المتوارثة والمتعارف عليها، او بسبب الخوف من فقدان التأثير أو الامتيازات.
يعد مجلس الأمن القومي (NSC) مسؤول عن مراقبة برامج الأمن القومي الحالية والاستراتيجية، وتقييم مدى نجاحها. وهذا يضمن استمرار تطبيق الخطط واستخدام الموارد بطريقة فعالة.
لقد حدث تحول كبير في خصائص المخاطر التي تهدد الأمن القومي. إن المشاكل التي تفرضها الهجمات السيبرانية، والحروب الاقتصادية، وتغير المناخ كلها تهديدات بالغة الأهمية. ومن الضروري أن يقوم المجلس بتعديل استراتيجيته ومراجعتها بين الحين والاخر من أجل الحفاظ على مكانة الدولة وضمان مصالحها الوطنية، وهنا لابد من الاشارة لبعض النقاط التي يجب أخذها بنظر الاعتبار:
– *التعاون بين الوكالات* : يحتاج مجلس الأمن القومي إلى تشجيع المزيد من التعاون الوثيق والتنسيق المستمر بين الوكالات الحكومية وقطاع الشركات الخاص والمؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني. ونتيجة لذلك، يتم تسهيل إنشاء حلول جديدة، مما يساهم أيضًا في معرفة أكثر شمولاً بالمخاطر والتحديات والتهديدات.
– *التكيف مع المتغيرات السياسية* : ان الانتقالات السياسية وتغير الإدارات يمكن أن يؤثر على استمرارية السياسات الأمنية والاستراتيجيات التي يتبناها المجلس. لذا لابد ان يتمتع المجلس وادارته بالمرونة والقدرة على التكيف للحفاظ على المصالح العليا للدولة.
– *تبادل المعلومات* : إن الحصول على المعلومات وتحليلها بطريقة فعالة أمر في غاية الأهمية. لذا من الضروري أن يكون هناك تبادل سلس للمعلومات بين الشركاء المحليين و الدول الحليفة والصديقة. ومجلس الأمن القومي مسؤول عن ضمان ذلك.
على الرغم من الأهمية القصوى للتعامل مع التهديدات العاجلة، إلا أن مجلس الأمن القومي يجب أن يأخذ في الاعتبار أيضًا التخطيط الاستراتيجي طويل المدى. وعلى وجه التحديد، فإن هذا يستلزم الاستعداد للمخاطر المستقبلية المحتملة وبناء قدرة الأمة على الصمود بشكل استباقي.
ان رغبة الدولة في التغلب بنجاح على تعقيدات المتغيرات الجيوسياسية والجيوإستراتيجية والجيوإقتصادية فضلا عن تعقيدات المتغيرات العسكرية والامنية والاستخبارية لمرتكزات الأمن القومي المعاصر، يتطلب وجود مجلس امن قومي يتحرك كأداة حيوية داعمة لتعزيز التعاون، وتقييم وتقدير المواقف، ووضع الرؤى الاستراتيجية، لضمان أمن وسلامة وازدهار الأمة في عالم يتطور باستمرار.