السبت, 27 يناير 2024 7:38 م
متابعة/ المركز الخبري الوطني
كشف تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت عربية وهي (النسخة العربية والإلكترونية من صحيفة “اندبندنت” البريطانية الرقمية)، تقريراً بعنوان “تعزيزات عسكرية أميركية في طريقها نحو “جحيم” البادية السورية”، وتضمن التقرير التمهيد لإرسال 1500 جندي أميركي جرت مراسم وداع لهم في ولاية نيوجيرسي ويجري تدريبهم حالياً في ولاية تكساس من أجل إرسالهم إلى العراق وسوريا.
وجاء في نص التقرير كما ورد دون التلاعب في مفرداته:
“تتجهز قوة عسكرية أميركية للانتقال إلى سوريا والعراق بغية الانضمام إلى ما يعرف بعملية “العزم الصلب”، الخاصة بقتال تنظيم “داعش” في كلا البلدين، وتضم القوة الجديدة 1500 مقاتل أميركي أجريت لهم مراسم وداع في ولاية نيوجيرسي، ينتقلون بعدها إلى ولاية تكساس للتدريب قبل التوجه إلى الشرق الأوسط.
يأتي ذلك التطور مع ما تشهده المنطقة من تطورات إقليمية متسارعة، بداية بإرسال “قوة دلتا” التابعة للجيش الأميركي بهدف فك احتجاز رهائن في غزة كانت “حماس” قد احتجزتهم بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فضلاً عن إرسال حاملة طائرات لردع “حزب الله” وإيران، وانتهاءً بانخراط الجيش الأميركي عبر تحالف دولي في حرب مع الحوثيين باليمن على خلفية استهدافه السفن التجارية التي تمر عبر مضيق باب المندب بالبحر الأحمر.
وبات جلياً أن الولايات المتحدة تبث رسائل تحملها فوهات بنادق الجنود الجدد الباحثة عن انتصار في شرق سوريا ينهي حالة الحذر ويجمد ما تؤججه الأجواء الساخنة السائدة بينها وبين الفصائل الموالية لإيران، ويدعم حضورها المتنامي في سوريا والعراق، ويوفر بخاصة دعماً للقوات الكردية، الحليف الاستراتيجي لواشنطن. كما سجل ظهور متنامٍ لخلايا “داعش”، التي استغلت حالة الفوضى الحاصلة في الآونة الأخيرة لتعيد تموضعها وهجماتها مجدداً في أرجاء بادية مترامية الأطراف.
كما حسم البيت الأبيض أنباء متضاربة عن سحب القوات الأميركية من سوريا، ونفى نيته القيام بهذه الخطوة، وذلك بعد معلومات نشرتها مجلة “فورن بوليسي”عن نقاش يدور حول موعد الانسحاب، بالتوازي مع ضربات متواصلة تتلقاها القوات الأميركية من قبل الفصائل الموالية لإيران.
الصراع الخفي
ويأتي نشر الجنود الأميركيون الجدد ضمن عملية التحالف الدولي التي تقودها واشنطن منذ عام 2014، والمتواصلة حتى بعد سقوط “داعش” في الباغوز في مارس (آذار) عام 2019، بحسب ما أعلنت واشنطن، لمحاربة التنظيم المتشدد في المنطقة.
في المقابل، يعتبر مراقبون أن ما تعلنه الولايات المتحدة عن أن إرسال هذه القوة هو لمحاربة “داعش” ليس سوى شماعة لزج أكبر قدر ممكن من العدة والعتاد لما هو أشد خطراً ويهددها بشكل مباشر، بعد تعرض قواعدها العسكرية، المتموضعة في حقول النفط والغاز، لضربات الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
من جهته قال الضابط في الجيش الأميركي عمر مينوت، وفق تصريحات لشبكة “سي بي سي نيوز” إنه يتوجه نحو الشرق الأوسط للمرة الخامسة، مبيناً أن الجنود الأميركين يملكون كل ما يحتاجون إليه لهزيمة (داعش)”، بينما كان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، باتريك رايدر تحدث في الـ12 من يناير (كانون الثاني) الجاري، عن عدم وجود خطط لدى بلاده لإرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط بعدما شن الجيشان الأميركي والبريطاني ضربات على قوات الحوثيين في اليمن.
في هذه الأثناء، تتوقع أوساط مراقبة تصاعد وتيرة الحرب بين التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سوريا والعراق، والفصائل المدعومة إيرانياً، على خلفية قصف “الحرس الثوري” الإيراني مراكز تجسس وتجمعات لجماعات وصفها بـ”الإرهابية والمناهضة لإيران” في إقليم أربيل، شمال العراق، بمحيط القنصلية الأميركية. وجاء في بيان “الحرس الثوري” تنفيذه العملية بصواريخ باليستية، فيما دان الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد الحادثة ووصف ذلك بـ”انتهاك للسيادة العراقية”.
مناورة بين “الأميركي” و”الإيراني”
في غضون ذلك، وعلى رغم كل التصعيد الحاصل في الشمال السوري والعراقي، وحرب غزة، وحرب الحوثي باليمن، والإشارة إلى اليد الإيرانية الداعمة لكل تلك القوى على الساحة العربية، تسعى واشنطن إلى خفض التصعيد عبر الأقنية الدبلوماسية والإعلامية، حيث أعلن البيت الأبيض صراحة عن عدم السعي إلى النزاع مع طهران، تزامناً مع غارات أميركية وفرض عقوبات استهدفت شحنات السلع الممولة إيرانياً والمتجهة إلى اليمن.
ومن المرجح إبقاء واشنطن على حالة “عدم قطع شعرة” القناة الدبلوماسية مع النظير الإيراني بعد تصعيد غير مسبوق في بقاع عدة بالشرق الأوسط. وقال الناطق الرسمي باسم الأمن القومي الأميركي، جون كيربي في تصريح تلفزيوني عن عدم السعي إلى نزاع مع إيران، معتبراً أنه “لا يوجد سبب لحدوث تصعيد يتجاوز ما حدث في الأيام الأخيرة”.
وفي وقت يتزايد فيه دعم الولايات المتحدة لقواتها في مناطق وجودها في الشرق السوري، يسجل اتساع للحضور الإيراني في المنطقة ذاتها لا سيما في المناطق الحدودية العراقية، وبالذات منطقتي البوكمال والميادين، شرق محافظة دير الزور. وحطت طائرتي شحن أميركيتين في السادس من يناير الجاري، في قاعدة “خراب الجير” في الحسكة تنقل معدات، بينما دخلت تعزيزات من العراق إلى الحسكة ودير الزور قوامها 15 عربة تنقل عتاداً عبر معبر الوليد الحدودي.
إزاء ذلك، من اللافت للانتباه التصعيد الأميركي للعمليات في البحر الأحمر، في حين تبقى المحاولات لتبريد الأجواء في شرق سوريا، وهو ما دفع القوات الأميركية إلى إخلاء قاعدة “هيمو” التي تضم معسكراً لتدريب قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ريف مدينة القامشلي (تبعد مسافة أربعة كيلومترات إلى الغرب من مطار القامشلي) بعد تعرضها لسلسلة هجمات لـ”المقاومة الإسلامية في العراق”.
في المقابل، تواصل الفصائل الإسلامية العراقية استهداف القواعد الأميركية كرد على ما قالت إنها “مجازر كيان إسرائيل في حق أهالي غزة”. كما يرجح أن يندرج خفض التصعيد الأميركي في الشرق السوري ضمن تكتيك لإيصال التمويل والدعم الكافي من القوات المدربة.
الانتشار المطلق بالشرق
وفي ظل كل ما يحدث في المنطقة، يثير إرسال القوة الأميركية الجديدة، حالة من القلق حيال تزايد احتمال حدوث مزيد من التصعيد، من خلال السعي إلى كبح تمدد الفصائل المسلحة الإيرانية في شرق سوريا، وقطع الطريق البري الواصل بين إيران وسوريا، مروراً بالعراق، بخاصة أن القواعد الأميركية تتعرض دون توقف لتهديدات، حيث تنتشر عبر 30 موقعاً وفق دراسة صادرة عن مركز “جسور” للدراسات، تتوزع بين 17 قاعدة و13 نقطة تمركز بين محافظتي الحسكة ودير الزور، ضمت ما يقارب في أوقات الحرب ألفي جندي، في ظل معلومات عن تخفيض العدد إلى النصف. وتلك القوات موجودة تحت عنوان تدريب “قوات الحماية الكردية” وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبقي في سوريا 900 جندي أميركي وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وكانت القوات الأميركية قد لعبت دوراً واسعاً منذ وصولها إبان اندلاع الحرب في سوريا، في مواجهة “داعش” في سوريا والعراق و”جبهة النصرة” في عام 2014، إضافة إلى استهدافها قوات النظام السوري، في حوادث عدة كانت أبرزها ضربة صاروخية في السابع من أبريل (نيسان) 2017 على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة لجيش النظام.
ولم تدعم واشنطن القوات الكردية فحسب، بل سبقها دعم لفصائل المعارضة المسلحة، والتي أطلقت على نفسها “الجيش الحر” عبر مساعدات عينية وتوفير التدريب والمال والمعلومات الاستخباراتية إلى أن تقلص الدعم. وبات الانقسام يتضح بين فصائل المعارضة المسلحة، والأكراد حيث باشرت تركيا بعد عام 2014 بدعم المعارضة السوية في حين تدعم الولايات المتحدة القوات الكردية، وهو ما تبغضه أنقرة.
من جانبها لا تتوقف إسطنبول عن مسعاها في تأمين حدودها الجنوبية المتآخمة لسوريا عبر التوغل بالشمال السوري بعمق 30 كيلومتراً وتسعى عبر عملية عسكرية رابعة لاستكمال ما تطلق عليه “المنطقة الآمنة” لوقف ما تصفه بالتهديدات الإرهابية، في إشارة إلى حزب العمال الكردي ومعه الفصائل القتالية المسلحة ذات المكون الكردي، مع استمرار التصعيد أخيراً بضرب المقار العسكرية وضرب المنشآت الحيوية، ومنها آبار النفط والغاز ومحطات توليد الطاقة الكهربائية.
وكثيراً ما نظرت أنقرة بعين الريبة والاستياء من المناورات التي تجرى بالتعاون بن القوات الأميركية وقوات “قسد”. وذكر في وقت سابق المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع التركية زكي أكتورك عن متابعة بلاده لأنشطة واشنطن مع ما وصفها بـ”التنظيمات الإرهابية في سوريا”. وأضاف في مؤتمر صحافي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن “تركيا تنتظر من الولايات المتحدة أن تنهي كل الدعم والمساعدات التي تقدمها للتنظيم الإرهابي”.
ما علاقة روسيا؟
مع كل ذلك ليس مستبعداً ارتفاع عدد القوات الأميركية وسط عوامل ميدانية تلعب دوراً في رفع وتيرة المعارك والعمليات مع ارتفاع عدد المناورات التدريبة أخيراً بالاشتراك مع قوات “قسد”، حيث تأتي القوات الجديدة في إطار حملة مكافحة “داعش”، ومعها ارتفاع العمليات الهجومية لفصائل “المقاومة الإسلامية”، ومن جهة ثانية ارتفاع تسليح العشائر التي تشكل تهديداً إضافياً، لكن زيادة القوات الأميركية تأتي أيضاً بعد خروج النزاع الأميركي – الروسي إلى العلن مع اندلاع الحرب الأوكرانية – الروسية، في الـ21 من فبراير (شباط) 2022.
ورصدت موسكو منذ ذلك الوقت زيادة في حشد القوات الأميركية على الجبهة السورية بالتوازي مع توتر عسكري روسي – أميركي في الشرق والشمال الشرقي السوري ومناكفات بين أفراد الدوريات الأمنية، واحتكاك بالطائرات المقاتلة. وتناولت التقارير الإعلامية الروسية وصول معدات عسكرية ولوجيستية من العراق إلى سوريا، فنقلت صحيفة “فزغليارد” الروسية ارتفاع العدد إلى 1500 جندي في الـ15 من يوليو (تموز) 2023 بغية حماية المطارات وحقول النفط والغاز وتدريب القوات الكردية.
وبالنتيجة فإن وصول هذا القدر من الجنود الأميركيين يعني تأمين دعم كافٍ للقواعد، لكن الأخطار متوقعة جراء ما سيواجهونه حين يحطون على أرض مليئة بالألغام والصراعات التي لا تنتهي، وفي أكثر الأوقات حساسية، وتعدد أطراف النزاع الإقليمي والدولي فوق رمال متحركة لا تتوقف عن ابتلاع مزيد من المتحاربين فوق ثراها”.