الثلاثاء, 4 أبريل 2023 12:26 ص

محمد السيد محسن
—–
يروى عند العامة ان احد الدفانين كان يتحايل على الموتى فيسرق اكفانهم بعد دفنهم , وكان موضع انتقاد كبير من قبل الاهالي وبعد موته كان اهالي البلدة يلعنونه جهارا امام ابنه , فما كان من ابنه الدفان الجديد , الا ان اقسم امام والدته , زوجة الدفان , ان يجعل جميع اهل البلدة يترحمون على والده الدفان القديم , فبدأ يخرج الموتى من قبورهم ويسرق اكفانهم , ويتركهم عراة خارج قبورهم , وفعلا , بدأ اهالي البلدة يترحمون على الاب بوصفه انه كان يحترم الموتى , فيكتفي بسرقة اكفانهم فقط .
هذه الحكاية ذكرتني بما فعلته حكومات ما بعد احتلال العراق , التي قتلت أمل العراقيين بالاستفادة من هروب الدكتاتور , وحلم العراقيين بتأسيس حكومة رشيدة جديدة , تقشع الام وتداعيات ظلم الحكومة السابقة التي اتخذت من الشمولية اساسا لحكمها , وكان صدام حسين يطبق مقولة : من لم يكن معي فهو ضدي , فعدل في ظلمه لكافة ابناء الشعب العراقي من عرب مسلمين شيعة وسنة , واكراد شيعة وسنة , وغيرهم من مكونات الشعب العراقي .
اما الذين حكموا من بعد 2003 , فحوروا مقولة صدام حسين الى : من لم يكن معنا فهو ضدنا , فشاع الظلم والقهر والتهميش وحكم الأقارب , واقترن الفساد والكذب والتزوير والخداع مع مصطلح السياسة في العراق , واضاف حكام العراق بعد 2003 السلطة الى الظلم والقهر والتخويف كل الالفاظ التي مر ذكرها.
وبدأ عامة المواطنين يقارنون السوء السابق بالسوء الجديد , فغلبت كفة السوء الجديد على السوء القديم , وبات العراقيون يقارنون بين السيء السابق والأسوأ الحالي , وفشل الأسوأ الحالي في قضايا عدة مثل : السيادة والتبعية التي رفضها السيء السابق , وترافق كل ذلك مع صمت الطبقة السياسية الحالية , وكأنها لا تكترث لكره الشعب لهم , واكتفوا بمن حولهم من المستفيدين والمتملقين يسمعون منهم الذ الكلام , فتشابهوا مع سابقهم في عزلتهم , وبات العراقيون يحضرون الى عدالة انتقالية جديدة لكثرة ما عانوا من الحكومات اللاحقة.
بيد ان حكومات ما بعد 2003 وبما انها ما زالت قائمة , نجد ان امامها الفرص الكبيرة لتعديل مسار اخطائها وتحويلها الى افعال ايجابية عبر الاعتراف بالخطأ ونقد الذات الحقيقي , وتغليب الوطن على بقية المسميات الفرعية التي اكتشفها الاحتلال , لترسخها حكومات الاحتلال من السياسيين العراقيين من بعد.
اعتقد ان خط الشروع لبناء العراق الجديد يجب ان يبدا , وان يحصل العراقيون على حكومة قادرة على الوقوف بوجه التحديات التي تواجهها واهمها ان تكون قادرة على الوقوف بوجه المنفلتين , وان تتخلى عنهم , وان تتحلى بارادة الوطن قبل ارادة الجماعة او الحزب او المذهب , فالوطن هو الخيمة الكبرى التي تضم كل المسميات الصغيرة والقرينة, خصوصا وان الوضع الاقليمي والدولي يشجع العراقيين على المضي قدما باصلاحات القيم اولا ثم اصلاحات الدولة ثانيا واخيرا اصلاح البنية الادارية التي اسس فسادها المحتل الامريكي للعراق .
بيد ان الشك يأخذ مأخذا عاتيا حين نرى ان اصحاب القرار في اية حكومة عراقية انتجهتها فترة ما بعد الاحتلال هي رهن الحزب المرشح والتحالف الضامن والاتفاقات المسيرة لخطوات الحكومة ورئيسها , ونأمل ان يشذ محمد شياع السوداني عن قاعدة يعاني منها العراقيون منذ تسنم الاسلامويين السلطة من الاحتلال , معتبرين انهم انتصروا باستلام مفاتيح الحكم من محتل ارادهم لهذه المهمة بعد ان ايقن انهم لن يحيدوا عن سكة الفساد والخديعة التي رسمها لعراق جديد