الثلاثاء, 28 فبراير 2023 1:33 م

حمزة مصطفى

أنا من جيل “لحك” على أبي طبر أوائل سبعينات القرن الماضي, وقبله أغنية “لاخبر لاجفية لاحامض حلو لاشربت” التي أطلقت فاضل عواد الى عالم الغناء.كما “لحكت” على قصة مثيرة أخرى آنذاك وهي ظاهرة بطل المصارعة العراقي العالمي عدنان القيسي. لم أكن أخشى أبو طبر لأني لم أكن وقتها من سكان بغداد التي جئتها فيما بعد غازيا من الريف مسهما مثل سواي من أبناء القرى في ترييف العاصمة التي كانت مترفة بأغاني ناعسة مثل “خدري الجاي خدري”, أو “ولفي الغدار” قبل “ياحريمة وياحسافة وليل ما أطلخ لك راس وروحي ولاتكلها إشبيج “. أما القيسي فقد كنا مازلنا تلاميذ بالمتوسطة نشاهد نزالاته عبر التلفزيون الواحد الذي كان يقطع البث لكي ينقل تلك النزالات برغم الجدل الذي أثارته من قبيل هل هي حقيقية أم ميلودراما هندية. الأمر نفسه كان قد إنطبق على نحو ما على أبي طبر الذي حرم كل أهالي بغداد من النوم على سطوح المنازل في صيف عام 1973 حيث كان العراقيون قبل عهد المبردات والسبالت والوطنية والسحب يفضلون النوم صيفا على السطوح حيث “الهوى عذيبي”.
لم تطول “سالفة” القيسي المصارع كثيرا بعد أن أدت, على مايبدو, أهدافها في صرف الأنظار عن شيء أو اللهو بشئ حتى حين. كما لم تطول “سالفة أبوطبر” بعد أن روع الناس بجرائم قتل مبتكرة لم يعرفها العراقيون لاسيما البغادة في تاريخهم مثل تصفية عائلة بكامل أفرادها من قبل شخص واحد يحمل “طبر”. ففي يوم من الأيام ظهر أبو طبر وقيل أن إسمه “حاتم” على شاشة التلفزيون مع ماقيل إنها إمرأته ليعترفا بجرائمهم التي أثارت هلع الناس. بصرف النظر إن كان صدق البغادة وقتذاك قصة أبي طبر أم لم يصدقوا فإنهم ما أن إنتهى اللقاء المتلفز معه حتى سارعوا الى رش سطوح منازلهم بالماء تمهيدا لمعاودة النوم ما تبقى من الصيف.
تذكرت هذه القصة لأن إحدى الوكالات نشرت قبل أيام خبرا فحواه ظهور “أبو طبر” في بغداد بعد أن أقدم شاب على قتل فتاة بفصل رأسها عن جسدها بإستخدام طبر. خبر القتل لم يثر الإنتباه بقدر ما أثارت مفردة “طبر” لأن عمليات القتل بسبب المخدرات والسوشيال ميديا وطرق الموت أمورا شبه عادية بالقياس الى أيام زمان. ولأن العراقيين بفضل مواقع التواصل الاجتماعي لم يعودوا بحاجة الى فتح التلفاز على قناتين فقط ” 7 و9″ لكي يعرفوا أخبار هاييتي وجزر القمر ولماذا شب الحريق في مالي على “كولة” مذيعة أيام زمان, كما لم يتعرفوا بعد على نوستر داموس أو أبو علي السشيباني ومعلمه الشهير والصفيحة الزلزالية والعالم الهولندي وصاحبه العراقي والمنطاد الصيني. العراقيون اليوم وهم على الفراش وتحت البطانية تتنقل أصابعهم على أخبار العالم بدءا من خطاب بوتين بمناسبة الذكرى الأولى لحربه على أوكرانيا الى سقطات بايدن عند مداخل الطائرات مرورا بأخبار الدولار والدينار والمركزي والفيدرالي وإنتهاء بتوقع إقرار الموازنة قبل الزلزال أم بعده. لم يعد خبرا عن أبي طبر جديد يلفت الإنتباه أو حتى الاهتمام. المسألة أبسط بكثير مما يمكن الوقوف عندها لاسيما مع تكرار الطبر والطبري والطبريات والطبرانيات التي كل ما تحتاج اليه لجان تحقيقية تنتهي بالذهاب الى تأدية واجب العزاء. المهم الصيف قادم.. “تكدرون” تنامون على السطوح إن شئتم وإن شاء .. الكويكب الذي صار عشرين سنة تتوقع ناسا سقوطه على رؤوسنا.