الأحد, 20 نوفمبر 2022 4:01 م

د. سيف الدين زمان الدراجي

باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي

عُرف الصراع منذ بدايات نشوء الخليقة، لذا فأن تحقيق مصالحنا وادارة شؤوننا بل وبقائنا على هذه الأرض يعتمد على كيفية إدارتنا للمصاعب والنزاعات والمخاطر والتحديات التي تولد بمجموعها وعوامل اخرى مصادر وجذور لصراعات مستمرة .
عادة ما يكون هناك خلط بين مصطلحي “الصراع Conflict” و”النزاع Dispute” ، لذا يورد المقال بعض التعريفات لإلقاء الضوء على الفرق بين المصطلحين:
يُعرف “جون بيرتون” النزاع على انه خلاف قصير الأمد يمكن أن يؤدي إلى توصل المتنازعين إلى شكل من أشكال الحل؛ بمعنى أخر: أن النزاعات تنطوي على قضايا قابلة للتفاوض. على النقيض من ذلك، فإن الصراع خلاف طويل الأمد، مع وجود قضايا عميقة ومتجذرة يُنظر إليها على أنها “غير قابلة للتفاوض” يمكن ان توضع لها نهايات الا أنها عادة ما تكون مُعقدة. ولتقريب الصورة للقارئ، فأن على سبيل المثال ، كل جولة من محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية ، وأزمة الصواريخ الكوبية ، والحرب الأمريكية الفيتنامية ، والغزو السوفيتي لأفغانستان ، كلها تشكل نزاعات داخل الصراع الأوسع للحرب الباردة. (براد سبانجلر2017).
كما يعرّف (كوستينتينو وميرشانت 2006) الصراع على أنه خلاف أساسي بين طرفين ، والنزاع هو أحد النتائج المحتملة. (التوفيق أو تجنب الصراع أو الاستسلام هي نتائج أخرى.) أي أن الصراع “حالة وليس عملية”. فالأشخاص الذين لديهم مصالح أو قيم أو احتياجات متعارضة هم في حالة من الصراع ، والتي قد تكون كامنة (بمعنى عدم التصرف بناءً عليها) أو ظاهرة ، وفي هذه الحالة يتم تقديمها في شكل نزاع أو عملية منازعة. بهذا المعنى ، “يمكن للصراع أن يوجد بدون نزاع ، لكن النزاع لا يمكن أن يوجد بدون صراع.”
أما التحليل: فهو التحقيق في أي شيء بشكل منهجي ومنظم عن طريق تقسيمه إلى عناصره المكونة وفحص كيفية تفاعلها. يعني في الأساس تفكيك شيء ما وفحصه بشكل شامل ومنهجي لتحديد كيفية تفاعل الأجزاء، “لكسر” النزاع وفحصه بدقة من أجل فهم الجهات الفاعلة وتاريخ النزاع وأسبابه وديناميكياته.
وفقًا لماثيو ليفينجر ، ” فأن تحليل الصراع هو “تحقيق منظم في الأسباب والاتجاه المحتمل للصراع. حيث يسعى إلى تحديد فرص إدارة أو حل النزاعات دون اللجوء إلى أعمال عنف ”(
تأخذ الصراعات أشكالا عدة، عدائية وتنافسية سلبية، يكون أكثرها تأثيرا هي النزاعات المدمرة كالحروب الاهلية والدولية.
على المستوى الدولي، تُمثل ظاهرة الصراع الجانب الأبرز في شكل التعاطي مع طبيعة العلاقات التي تحكم الدول وتبلور توجهاتها في الإستعداد للمواجهة وفقاً لقدراتها وإمكانياتها ومواردها وتأثيرها في المحيطين الدولي والإقليمي.
وعلى الرغم من تغير طبيعة الصراع لتتحول من مسبباتها العسكرية والأيديولوجية الى عوامل اخرى بعد نهاية الحرب الباردة، الا أن المحركات الإستراتيجية فيما يخص معايير القوة وحماية المصالح القومية ستبقى عاملا أساسيا ومؤثرا في البيئة الدولية.
يجسد الصراع الطبيعة المتفشية والمستمرة للمنافسة بين المجموعات داخل المجتمع الواحد، والمنافسة الدولية، بشان المصالح والمثل المتباينة التي تدعم ديناميكيات القوة. لذا يتطلب الوعي بقضايا العنف الجماعي والصراعات، فهماً للمسؤوليات المؤسسية بالإضافة إلى العوامل النفسية والسلوكية التي تؤدي إلى نشوء العداء. فالصراع تجربة أساسية لدرجة أن عواقبه السلبية تنتشر في جميع أجزاء ومفاصل المجتمع.
لا تشتمل جذور العلاقات العدائية تقاطعات المصالح الاقتصادية الفعلية أو القوة فحسب ، بل تشمل أيضًا قضايا القيم والهوية، والتوترات الشخصية بين القادة والسياسين ، وقضايا إدارة متطلبات العمل التي تشمل الشركات متعددة الجنسيات والعمال، والخلافات بين الدول حول اهداف وتوجهات السياسة الخارجية ، و الخلافات الدولية حول الاختلالات التجارية والتفاوتات في سلطة صنع القرار في المؤسسات أو المنظمات الدولية.
تميل النزاعات المدمرة إلى النمو والتزايد نتيجة التنافسية السلبية ، وضعف الاتصال ، والمواقف العدائية ، وسوء التقدير ، وسوء التفسير ، مما يضع الأطراف المتصارعة في موقف لا معنى له منطقيًا. (Kriesberg 1998)
أشار عدد من المتخصصين في دراسات الصراعات الدولية الى ان مراحل او دورة حياة الصراع تمر بالاتي:
مرحلة اللاصراع، ثم مرحلة الصراع الكامن، ثم بروز الصراع، فالتصعيد، ثم وقوع الإيذاء (الحرب)، ثم خفض التصعيد، فالتسوية (الحل والوصول لقرار الايقاف)، ثم عملية بناء السلام والمصالحة بعد إنتهاء الصراع.
كما يلعب عامل الزمن وتنامي الأحداث من حيث الشعور بتزايد الحاجة والسلوك ومن ثم الإستجابة للفعل دورا مهما في دورة حياة الصراع.
لقد تم تحديد عدد من الادوات اللازم اتباعها في تحيل الصراعات وصولا لخطوات الحل. وسيستعرض المقال عدد من هذه الادوات الاستراتيجية وكما يلي:

• إطار المحقق
ابتكر الدكتور كريستوفر ميتشل (استاذ متخصص في حل النزاعات وتحليل الصراعات في جامعة جورج ميسون) نموذجاً تم تطويره ليطلق عليه اسم “طور المحقق” ( Investigator ) ويعني ان يكون من يضطلع بمهمة تحليل الصراع ملما بعوامل نشوب الصراع المتضمنة: المصالح، الحاجات، القيم، تأثير التصعيد، جذور ومصادر الصراع، المسببات وشرارة نشوب الصراع، نقاط التقاطع والإختلاف، أهداف كل طرف، الاطراف المتصارعة، الاستراتيجيات والتكتيكات المستخدمة من قبل كل طرف للظفر بالصراع، مخرجات الصراع، وأخيرا، ما هي الموارد القابلة للقياس التي يتنازع عليها الناس؟ على سبيل المثال ، نزاع حول طريقة تخصيص الأموال داخل المنظمة ؛ نزاع حول حقوق الملكية أو حدود الدول. حيث تشير الموارد هنا إلى الاحتياجات المادية أو الأشياء القابلة للقياس الكمي.
• تحليل شجرة الصراع:
تسمح نموذج شجرة الصراع بتحليل المشكلات (المشكلات الأساسية) في النزاع لتصور (الاسباب الجذرية) و(التأثيرات) لكل مشكلة. تعمل شجرة الصراع مع مشكلة واحدة (المشكلة الأساسية) في كل مرة وتساعد على اكتشاف الأسباب الجذرية وتأثيرات المشكلة (Woodrow 2012). يتم إجراء التحليل برسم شجرة ومن ثم تسمية جذور الشجرة بـ (الأسباب الجذرية) والجذع (بالمشكلة الأساسية) والفروع (بالآثار).

• أداة عوامل PIN
يمكن استخدام هذه الأداة لتحديد وتحليل المواقف والمصالح والاحتياجات لمختلف أصحاب المصلحة من أجل البحث عن أرضية مشتركة كأساس للتفاوض والتعاون.
حيث يقوم التحليل على اساس تحديد المصالح والاحتياجات المتبادلة الكامنة وراء المواقف المختلفة ، وربما المتضاربة ، لأصحاب المصلحة المختلفين ، وبالتالي توفير “الأرضية المشتركة” للتفاوض على أساسها. حيث يوضح صور التمييز بين العبارات (المواقف) والعوامل (المصالح والاحتياجات) التي تكمن وراءها. كما يمكن أن يُمكّن تحليل PIN مختلف أصحاب المصلحة من فهم بعضهم البعض بشكل أفضل وتوضيح مواقفهم واهتماماتهم واحتياجاتهم ، سواء لأنفسهم أو للآخرين.
هناك عدد أخر من الأدوات التي توفر فهما دقيقاً لأهمية ادوات تحليل الصراع، الا ان ما تم ادراجه أعلاه يعد الأبرز من بينها من حيث توجه المتخصصين في الركون اليها في حالات تنامي الصراعات، ليس على المستوى الدولي فحسب بل على المستوى الداخلي ومستوى شركات الاعمال وحتى الفواعل غير الدولية الأخرى. كما اننا سنقوم بالتعريف بمراحل حل الصراعات وما ينتج عنها من نزاعات في مقال أخر ان شاء الله تعالى.