الأثنين, 15 أغسطس 2022 11:39 ص

عبدالزهرة محمد الهنداوي

لاتشبه ثورة الامام الحسين (عليه السلام) اي ثورة اخرى، شهدتها البشرية وسجلها التاريخ، فأغلب الثورات، كانت تنتهي بتحقيق شيء من المكاسب السياسية، لاسيما عندما يصل قادتها الى سدّة الحكم، ولعل ذلك هو القاسم المشترك بين ثوار المعمورة، وعندما يصلون الى هدفهم، ينقسمون الى قسمين، بعضهم يسعى نحو الاصلاح ما استطاع الى ذلك سبيلا، وبعضهم يسعى الى المغانم والامتيازات التي يوفرها كرسي الحكم، وبين هذا ذاك، تخبو جذوة الثورة ويتلاشى شعاعها لتعود الاوضاع الى ماكانت عليه .
الا ثورة الامام الحسين(ع)، فليس ثمة قاسم مشترك بينها وبين باقي الثورات، الا اللهم في العنوان الرئيس، وهو الخروج على الواقع، وتصحيح المسارات الخاطئة.
والسؤال هنا، لماذا لاتشبه الثورة الحسينية غيرها؟
ان الاجابة عن هذا السؤال، لن تكون سهلة، فعلى مدى قرون من الزمان تلت تلك الثورة، انبرى الكثير من المفكرين والباحثين والادباء والخطباء والشعراء، والمستشرقين، وحتى الثوّار، في البحث عن اجابة شافية ووافية، عن هذا السؤال، الكبير، والعميق، ووضع كل واحد منهم بعد طول جهد، وعناء بحث، الاجابة التي يراها مناسبة من وجهة نظره، ولعل الجواب الذي يمكن ان يُساق هنا، هو ان ثورة كربلاء، قادها الامام الحسين(ع) بنفسه، وهو البقية الباقية من المصلح الاكبر في هذا الكون، النبي محمد (ص)، ولذلك كانت ثورته، امتدادا حقيقيا، وتأصيلا لمسيرة الاصلاح المحمدية، حيث بعث الله محمدا رحمة للعالمين، وبالتالي فان ثورة الامام الحسين، جاءت في وقت وظرف بالغ الحساسية، فمسيرة الاصلاح المحمدية، كانت مهددة بالضمور والتلاشي، بعد ان انكفأت الامة، على خنوعها، فسامها الحكّام الطغاة سوء العذاب، فامتهنوا كرامة الناس، وصادروا حرياتهم العامة، واستحوذوا على الثروات، فعم الفقر وساد الجهل، وتلاشى الامل ، فلم يعد لحياة الناس اي معنى، وهنا يأتي دور الثائر العظيم، ليجد نفسه في اختبار صعب جدا، فهو امام خيارين، اما ان يرضى بالامتيازات التي كان سبحصل عليها لو نزل على طاعة الطاغوت، وهنا سينتهي كل شيء، وتغرق الامة تماما في براثن الظلم، ويتقهقر اي ثائر كان يسعى للاصلاح، فهذا سبط محمد قد آثر طاعة اللئام، وترك الامة تواجه مصيرها المظلم، او انه يحمل لواء ثورة الاصلاح ويخرج ثائرا بوجه الظلم والطغيان، والفساد والامتهان، ولا يليق به غير هذا العنوان، فكان القرار وكانت الثورة، التي لم تكن تشبه اي ثورة اخرى، اذ لا يخبرنا التاريخ في اسفاره العملاقة، التي دونت كل صغيرة وكبيرة على مر العصور والازمان، عن ثائرٍ قُتل اصحابه واهله واولاده جميعا امام ناظريه، وبقي بهذا العنفوان الثوري الهائل، عنفوان مادت له قلوب الطغاة في كل زمان ومكان، فما من ظالم او طاغية، يسمع بتفاصيل ثورة الحسين، إلاّ وتحسس قلبه من الهلع والخوف، اذ قد تخرج قلوبهم من اقفاص صدورهم، وهم يسمعون بثائر مثل الحسين (ع)، حمل من قوة الشكيمة، والبطولة، والشجاعة، والايثار، والكرامة، وعزة النفس، ورفض الذل، وعدم مهادنة الظالمين، الذين كانوا يعرضون عليه في كل لحظة تمر المزيد من الامتيازات، لينجو من مصيرٍ كان هو متأكدا منه منذ اللحظة الاولى التي خرج بها من موطنه الى كربلاء.. فكان موقفه ثابتا مثل الجبال الراسيات،(والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر لكم اقرار العبيد).. كلمات لاتختلف في معناها وقوتها عن تلك الكلمات الخالدات التي قالها جده محمد(ص)، عندما وجد رسالته على المحك (والله لو ضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، على ان اترك هذا الامر، حتى يظهره الله او اهلك دونه)..فأي ثبات واي عظمة واي ثورة، تلك التي شهدتها كربلاء.. فدماء الثوّار ازهرت ضياءً مثل شمس الله، انار طريق الامم الباحثة عن الحرية، ..
فكم نحن محظوظون بهذا الثائر العظيم الذي حطّ رحاله بين ظهرانينا، ومن ارضنا انطلقت ثورته المتفردّة، وما احرانا ان نستضيء بذلك النبراس الذي لن ينطفئ مهما تقادم الزمان، فسنى برقه يكاد يخطف الابصار ..
السلام على الحسين الثائر العظيم، الذي لم يخرج أشِراً ولا بِطراً، انما خرج طلبا للاصلاح.
والسلام على ثوّار الطف الاشاوس الذين مضوا على بصيرة من الثورة العظيمة التي لاتشبه غيرها من الثورات.