الخميس, 4 يوليو 2019 5:57 م

بغداد /المركز الخبري الوطني NNC

صلاح حسن السيلاوي – الإعلام الثقافي الذي يجب أن يكون دوره واضحا ومؤثرا في التفريق بين ظلمة الواقع ونور المعرفة، نجده غير قادر على إيصال ما يريد الى الذات مرة، ومرتبكا في طرح ما يريد احيانا، ومَثلُ ذلك ما يُقدمه الإعلام في برامجه التلفزيونية المعنية بالثقافة والادب في فضائيات عراقية عديدة.
عن هذه البرامج وأهميتها وضرورة اتساع دورها نتساءل: ألا ترى ونحن في ظل تسرّب أفكار مشوّهة ومتطرّفة الى انساق الحياة الاجتماعية أنّ المهم امتلاك كثير من البرامج المعنية بتحصين الذات بمفردات الثقافة والابداع؟ هل تجد عدد هذه البرامج مناسبا مع حاجة المجتمع لها؟ وما رأيك بمضامينها؟ وبِمَ تقيّم التوجه الثقافي لإدارات الفضائيات العراقيَّة؟.

انفلات مريع
الناقد الدكتور صباح التميمي يرى أنّ اقتران الثقافة الواعية للمجتمع بإعلام واعٍ يؤسّس لها إعلاميا، ويفتح دائرة تواجدها؛ ليُصدّرها بمهارة عالية إلى المحيط الخارجي للمجتمع الذي هي فيه، فإنّ ذلك سيرفع من شأن الاثنين معا، منظومة الثقافة ومنظومة الإعلام .
مشيرا إلى عيشنا في ظلّ ثورة صاخبة للقنوات الاعلامية، إلّا أنّ التميمي يعدها ثورة مشتّتة، ضاجّة بانفلات مريع، فكلّ جهة تؤسّس قناة خاصة بها تثقّف لها، وليس هنالك توجه جاد نحو (الإعلام الثقافي) الذي يُظهر الصورة الحقيقية لشعبٍ تجذّرت الثقافة في عمقه التاريخي.
ثم لفت التميمي إلى أن القليل الذي نجده من تلك البرامج المعنية بالثقافة لا يفي بإبراز النزر اليسير من ثقافة النخب العراقية الواعية، ولو أنّ إعلامنا وَلِّى وَجْهَه شَطْرَ بعض التجارب الاعلامية الثقافية لأفاد منها الكثير، فعلى الصعيد المصري مثلا نجد أن قنوات خاصة معنية بمتابعة الحِراك الثقافي، وإقامة البرامج والندوات التي تُجلي ذلك الحِراك ، كـ (أجمل ما قرأت) وغير ذلك من البرامج .

مواجهة الأنساق الحاكمة
الروائي شهيد شهيد طرح عددا من الاسئلة في بداية إجابته عن الكيفية التي تمكننا من برهنة وجودنا كمنتجين للمادة الثقافية، فضلا عن تساؤله عن مدى إحساننا لإنتاج مادتنا الثقافية الخاصة قبل انتقالنا للحديث عن إشكالية تسويق تلك المادة، وأوضح شهيد قائلا: لو ضيّقنا مجال الحديث أكثر ليكون محصورا بالإعلام الثقافي المرئي ومدى فاعليته وتأثيره في تنشئة وتكوين وعي المجتمع، فعلينا ان نتهيّأ لمواجهة حزمة الأنساق الحاكمة، تلك الأنساق الموجّهة لحركتنا الحياتية ومتعلقاتها بما فيها آليات التلقي، لا أحد ينكر بأننا جميعا نتحاشى الاقتراب من مسمياتها لكي لا نقع في الحرج، ولكن لا بدَّ من القول بأنّ تلك الأنساق قد فرضت علينا إعلاما بعيدا كل البعد عن الثقافة، البرهنة على ذلك لا تتطلب جهدا كبيرا، يمكن الاكتفاء بالإشارة الى تلك القناة الفضائية العراقية الوحيدة المتخصصة بالثقافة والتي اطلق عليها اسم “الحضارة” والتي اختفت بين ليلة وضحاها في زحمة القنوات المهيمنة، ويكفي انك تنتظر أسبوعا كاملا لتحصل على برنامج ثقافي في القناة الرسمية للدولة مدته لا تزيد على الساعة، من ذلك يمكننا رفع الحرج والتصريح بأننا ما زلنا في مرحلة متأخرة جدا في مجال الإعلام الثقافي وان مادتنا الثقافية المرئية التي تقدمها قنواتنا الفضائية عبر برامجها لا تلبي طموح المشاهد التواق للحصول على مادة معرفية تنّمي شخصيته الثقافية.

غياب النوع
الشاعر عادل الفتلاوي تحدث عن كثرةِ الفضائياتِ التي تريد حشوَ وقتها بالبرامج المنوّعة ومنها الثقافية، وبروز كم من البرامجٍ على حسابِ النوع، مشيرا إلى إسهام الإعلام الثقافي في إطلاق طاقات بهموم ذاتية وشخصية، مقلّدة غير الإبداعية، وتضخيمها إلى أن تصل إلى مستوى الظاهرة، ما تلبث أن تتلاشى.
ورأى الفتلاوي أن الكيفية التي يمكن من خلالها التخلّص من هذه المشكلة تكمن في التحصين بالانتقاء الذي تشرف عليه النخب الثقافية، إذ أن الموجود منها يعدّ على الأصابعِ وغير كافٍ لأن يحدث تلكَ الانعطافة التي من شأنها ان تترك أثرا اجتماعياً وثقافياً على الساحة عامة، عدا أن مضامينها تتأثر بالإيديولوجيات التي تسير عليها الأخريات قصداً أو بغير قصدٍ من تبني ما يتسرّب من أفكار وثقافاتٍ مشوّهةِ ونسبها إلى الإبداع، ويشهد التوجه الثقافي في الفضائيات العراقية غياباً ملحوظاً وإن وجد فهو غير مهمٍ نتيجة غياب المنهجية والتخطيط الذي تفتقر له المؤسسة الإعلامية
ككل.