الأثنين, 19 يوليو 2021 5:03 م

خاص/ المركز الخبري الوطني

مع العام الجاري، يكون العراق قد أكمل 18 عاما دون أن يجد حلا لمشكلة الكهرباء المتفاقمة في كل صيف، حيث تتحول الأيام الحارة الى كابوس على المواطنين في ظل موازنات إنفجارية تدخل دهاليز وزارة الكهرباء وتخرج إلى جيوب الفاسدين وعلى هذا المنوال، يبدو ملف الكهرباء هو الأصعب على كل حكومة عراقية جديدة.
وعلى الرغم من كل التصريحات الحكومية والوعود بحل المشكلة ومحاسبة المتسببين بتراجع هذا القطاع، تزداد المشاكل أكثر، وأصبح الصيف جحيما على الناس، الأمر الذي دفعهم للخروج بتظاهرات غاضبة مع كل موجة حر تتسبب بإنقطاع الكهرباء لساعات طويلة، تنتهي تلك التظاهرات بشغب وصدامات وحرق إطارات في الشوارع.
ومع صيف 2021، لم تنتهي المشكلة، بل عادة من جديد، ففي مطلع تموز الجاري كانت الطاقة الكهربائية قد إنهارت بالكامل ليشهد العراق اطفاءً كاملا لكل محطاته الكهربائية بالتزامن مع إرتفاع الحرارة حينها لأكثر من 50 لتثير أسئلة المواطنين حول ماحصل هل له علاقة بجانب سياسي أم أن الإطفاء كان فنيا ؟
وأزاء المشكلات المتراكمة حول الكهرباء لإيجاد حلول ممكنة لها، كانت الحكومة قد أكدت في حزيران الماضي بأن مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج قد أنجز منه 85% من العمل في العراق وفي العام 2022 سيكتمل الربط الكهربائي بالكامل مع دول الخليج، وكذلك الربط الكهربائي مع الأردن.

لا جدوى فنية أو تقنية
يعتقد المهندس رشيد السراي وهو متابع في شأن الطاقة بأن “الموضوع ليس فه جدوى من الناحية الفنية والتقنية وحتى الناحية الإقتصادية لان الربط الكهربائي يفترض أن يكون مفيدا في حالتين، حالة أن تكون غير قادر على أن تكمل إحتياجاتك من الإنتاج ويكون الربط هذا الهدف منه هو أن تحصل على فائض الإنتاح عند الأخرين لتعوض”.
يضيف خلال حديثه لـ”المركز الخبري الوطني”، بأن “العراق لديه الأموال وقادر على الإنتاج وليس هناك أي ضرورة للدخول ملف الربط الكهربائي والغريب أنه نفس الذين كانوا يرفضون الربط الكهربائي مع إيران والحصول على كهرباء مستوردة من خارج العراق، الآن يرحبون بهذه الخطوة بإعتبار أن المصدر إختلف”.
والحالة الثانية كما يقول السراي، أن “يكون لدينا فائض مع كمية الإنتاج ومحاولة ربطه بشبكة عالمية تستطيع أن تستخدمه للتصدير والعراق لم يصل إلى هذه المرحلة وبالتالي المشروع هو سياسي يراد منه الموازنة والربط مع دول الجوار والربط مع إيران ولربما حالة من الإرضاء لبعض الجيران ولكن بالتأكيد سينفع في حل مشكلة الكهرباء ولكن بكلف مرتفعة، وبدل الانتاج سنكون مستوردين للكهرباء”.
يتابع السراي، “سيكون قرار الطاقة في العراق قرار غير عراقي وهي مشكلة كبيرة يتحكم به عدة دول، وبدل من هذا الربط كان يفترض أن يؤجل المشروع الى وقت اخر وان يكون التركيز على إنشاء محطات طاقة توصل البلد على الأقل الى الحاجة الفعلية الحالية، لأن الحاجة الفعلية مستمرة بالنمو، لكن بشكل عام فإن الربط هو حل سياسي وأسبابه سياسية وربما هناك ضغوطات على العراق لايصاله الى هذا الوضع”.
وكانت وزارة الكهرباء العراقية قد أبرمت في سبتمبر/أيلول 2019، اتفاقية مع مجلس التعاون الخليجي لإنشاء خطين لنقل الطاقة الكهربائية بطول 300 كيلومتر، مقسمة على مسافتين، داخل العراق 80 كيلومترا، وداخل دولة الكويت 220 كيلومترا، وذلك على هامش منتدى العراق للطاقة المنعقد آنذاك في العاصمة بغداد، حيث سيزود المشروع في حال اتمامه العراق بمئات الميغاواط من الطاقة الكهربائية.

الربط يرهق الدولة
يؤكد خبير الطاقة بلال خليفة لـ”المركز الخبري الوطني”، بأن الربط الكهربائي في الوقت الحالي هو ضروري، لكن قبل كل ذلك لنتحدث عن قضية الأحمال وكم نحتاج ثم نعود لقضية الربط هل ضروري أم لا، في البداية أن معظم المحطات التي تعمل لدينا تعمل على الغاز والتي تكون كفاءتها أفضل وصيانة أقل كما أن الغاز الذي نستخدمه غير كافي ومن المؤمل خلال السنتين المقبلتين أن كل الغاز الذي يحرق سيتم الإستفادة منه ومعالجته وتحويله الى المحطات الكهربائية”.
وحاليا كما يقول خليفة، فأن “المستغل من الطاقة حوالي 1300 مليون قدم مكعب ومن المفترض يستغل بهذا العدد ليصل الى 1700 مليون قدم مكعب، والمفترض أن يتم إستغلاله من الغاز 3500 مليون متر مكعب رغم هذا فهو غير كافي للكهرباء ولا يكفي احتياج العراق بالكامل ونحتاج لإستيراد الغاز من الخارج، وفي الوقت الحالي فأن طاقة العراق الان قد وصل 17 الف ميغا يضاف إليها مايأتي من إيران وكردستان”.
يتابع خليفة، “تغذي ايران العراق بأربعة خطوط كهرباء وأنبوب غازي حيث يغذي أربعة محطات ومن ضمنها محطة بسماية التي تولد 3300 ميغا واط، وما يأتينا من إيران من غاز وكهرباء يصل بحدود 4000 الاف ميغا واط، ومن غير الممكن الإستغناء عن هذا التجهيز المستمر”.
الربط الكهربائي مع الخليج كما يوضح خليفة، “بحسب التقارير فأن قد وصل الى 80% وهذا سيعطي للعراق 500 ميغا والعراق يحتاج فعليا الى 11 الف ميغا واط، من جهة الأردن حيث تبلغ كلفة انشاء ابراج الطاقة الكهربائية ما يقارب 2.2 مليار دولار، وهو رقم كبير جدا وهذا المبلغ لو تم استغلاله بشكل جيد ستوفر لنا 3500 الف ميغا أي ثلث النقص الذي يحتاجه العراق والمبلغ المعلن هو فقط كلفة إنشاء، من غير شراء الطاقة وتكاليفه المادية الإضافية”.
مسافة الربط الإجمالية 1700 كلم كما يقول خليفة، والتي تؤدي الى خسارات في الطاقة، والطريقة المثلى بهذا الملف هو جلب شركات متخصصة وإعطائها أرضا لتأسيس محطة كهربائية ثم تباشر أعمالها من داخل العراق والتي ستحرك الإقتصاد العراقي من خلال الأيدي العاملة ونكسب طاقة بلا فقدان، لكن مايجري هو حلول ترقيعية ليس لها تفسير أو جدوى إقتصادية بقدر ما هو جانب سياسي”.
وعلى الرغم من تعاقب العديد من الوزراء على الكهرباء منذ العام 2003 وحتى الآن وإنفاق ما يقارب 62 مليار دولار، لا تزال الكهرباء تشكل محنة حقيقية للمواطنين والحكومة على حدا سواء، إذ تشهد الطاقة تراجعا واضحا خلال ساعات الصيف بشكل متكرر، وهذا الخلل دفع الناس خلال السنوات الأخيرة بالخروج في تظاهرات غاضبة تطالب بتوفير الكهرباء.

غياب التخطيط
يؤكد النائب عن لجنة الطاقة غالب محمد بأن “العراق يمكنه أن يعيد إصلاح الكهرباء وإنتاجها بشكل جيد بدون الربط الكهربائي سواء مع الخليج أو مع غيرهم، يستطيع أن يبني تجهيزات الكهرباء في داخل العراق كونه لديه عوامل جيدة لبناء طاقة مثل الغاز والنفط يمكن الإستفادة فيها للتوليد، أما الربط مع الخليج أو دول الجوار ليس فيه إي إٍستفادة”.
يوضح محمد خلال حديثه لـ”المركز الخبري الوطني ” أن “العراق إقترب بحدود 20 الف ميغا واط ولكن لا يوجد كهرباء، والكهرباء فيها توليد ونقل وتوزيع وكل هذه غارقة بالمشاكل وبالتالي هذه القضايا لن تحل بربط الكهرباء مع الخليج ودول الجوار”.
أفضل شيء للعراق في الوقت الحالي كما يقول محمد، هو “الاتفاق مع شركات رصينة كشركة (سيمينز) وشركات أخرى وعليها توفير 14 الف ميغا واط، والتفكير بهذه الطريقة هو الأفضل حتى الآن، والربط الكهربائي مع ايران او تركيا او الخليج فهو ليس حلا على الإطلاق”.
وبحسب ما يتم تداوله، كما يقول النائب، فأن “التوقعات تشير الى أن حجم الطاقة التي تصل للعراق من الربط الخليجي حوالي 2000 ميغا وهذه لا شيء مقارنة بحجم احتياج العراق والحكومة الحالية والحكومات السابقة تتحمل مسؤولية الكهرباء، وسواء ربطنا مع الخليج أو لم نربط، تبقى مشكلة الكهرباء قائمة وما يحصل الان هو وضع مسكنات للمواطنين لا أكثر”.

وازاء ذلك كانت وزارة الكهرباء قد أكدت على أنها ماضية في الربط الكهربائي الخليجي ومن المتوقع أن يكون جاهزا في صيف 2022، مؤكد على أن المشروع سيؤمن الطاقة من خلال التعاون المشترك ما بين العراق وهيئة الربط الخليجي.
وكان بإمكان العراق حل مشكلة الطاقة التي يعاني منها منذ سنوات لو استثمر الغاز الذي يحرقه يوميا، وهو أكثر مما يستورده، حيث يصنف على أنه ثاني بلد على مستوى العالم بعد روسيا في إحراق الغاز المصاحب، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أنه العراق أحرق عام 2016 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب من الغاز، ثم ارتفع ذلك عام 2019 ليصل إلى 17.91 مليار متر مكعب.