السبت, 5 يونيو 2021 4:32 م

المركز الخبري الوطني

وسط ضجيج قسم الطوارئ في مستشفى الإمام الحسين والحوادث اليومية التي تصلنا، كان تصلنا، كانت هناك سيدة مع أبنتها التي تبدو أنها غير طبيعية ومصابة بمرض داون، كانت تشكو من بعض الالم قمت بتحويلها على قسم النسائية، ثم تناسيت الأمر كان الأمر طبيعيا، لكنه بعد أسبوعين أو أكثر شاهدت جثة على سرير في الطوارئ قمت بفتح غطاء الوجه تذكرت وجه الفتاة المريضة التي جلبتها أمها قبل أيام وهي مفارقة للحياة.

بعد أن سألت الأطباء، أخبروني أن هذه الفتاة المريضة إغتصبها أحد أقربائها، ثم قام ذويها بقتلها بشنقها، قمنا بتسيجلها على أنها حالة إنتحار، بطلب وترتيب مع الشرطة فهم أغلقوا القضية خشية من تتسع وتكون هناك مشاكل عشائرية، هذا ما قاله أحمد محمد وهو طبيب باطني كان يعمل في مستشفى الامام الحسين في الناصرية قبل عدة سنوات.

يؤكد الطبيب الشاب خلال حديثه مع المركز الخبري، بأن “هناك العديد من الحالات التي تحصل بمثل هذا النوع وتصل الى مستشفى الإمام الحسين التعليمي، وهي تشهد إرتفاعا غير مسبوع بها خلال السنوات القليلة الماضية، لكن الإحراج الذي يحدث أنه لا يتم تسجيلهن على انهن قتل غسل عار بسبب الوضع العشائري والقبلي هنا”.

يضيف الطبيب، بأن “هناك حالات أخرى تتراوح ما بين الشنق أو الطلق الناري الذي يشكل الغالبية العظمى من قتلى غسل العار، ولكنه في جميع الإحوال يتم إدراجها على انها حالة إنتحار وعادة ما يتفهم الاطباء الاوضاع والاعراف العشائرية في المحافظة فيما لو كتب في شهادة الوفاة غير ذلك.

وتشكل قضية قتل النساء تحت مسمى غسل العار في محافظة ذي قار ظاهرة متفشية منذ سنوات، أذ تعتبر العادات القبلية والتقاليد والاعراف الإجتماعية واحدة من أكثر التحديات التي تواجه المراة في مناطق الجنوب ومحافظة ذي قار بشكل خاص حيث إزدات قتل النساء بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية.

تحديات مواجهة تفشي الظاهرة
تكشف منظمة أور للمرأة والطفل عن معوقات العمل في البيئة الجنوبية فيما يتعلق بملف جرائم الشرف والقتل بأسم غسل العار، حيث تقول رئيسة المنظمة منى الهلالي لـ”المركز الخبري الوطني” أن ملف “جرائم الشرف لا يزال أحد أكثر المواضيع تعقيدا لدى منظمات حقوق المرأة الناشطة في العراق”.

تضيف، أن “القتل غسلا للعار من العادات المتجذرة في المجتمع العراقي وهي ليست وليدة اليوم، لكنها تراجعت في فترات معينة لكنها عادت للواجهة من جديد، وساهم في عودتها مواقع التواصل الإجتماعي وخوف الأهل من الفضيحة لهذا يسارعوا بقتل الفتاة في حين يفلت الجاني في كل جريمة تحصل وهذه كارثة مستمرة”.

توضح الهلال أن “الرصد المستمر للواقع والأحداث من قبل منظمتها قد لاحظت كيف أن المشكلة بدأت تطفو على السطح بسبب مواقع التواصل الإجتماعي بوصفها سببا بارزا من أسباب القتل، ويأتي ذلك عبر إستغلال تلك المواقع في تورط الفتيات مع الشباب ولكن في الاخير يدفعن حياتهن ثمنا لهذه العلاقة التي تصبح جريمة فيما بعد”.

تعتقد الهلالي أن “الحلول ممكنة في حال تظافرت الجهود الوطنية لإيقاف نزيف قتل النساء ويجب ان تكون هناك جهود جبارة لهذا الملف لا أن يتم إهماله وهذا يحتاج أيضا الى تشريعات قانونية ضامنة ترافق تلك الحملات اضافة للوعي المجتمعي”.

وعادت ما تتغاضى الجهات الأمنية على حالات جرائم الشرف بسبب النظرة الإجتماعية السائدة حتى أنها لا تضيف او تذكر الشرطة في مواقفها الأمنية وجود جريمة تحت غسل العار، بل تكتفي على أنها حالة إنتحار ويغلق الملف وتكون العقوبة على الجاني خفيفة أو ربما في بعض الحالات يخرج منها بسلاسة.

ويؤكد ذلك مصدر أمني لـ”المركز الخبري”، أن “الشرطة او الادلة الجنائية التي تذهب خلال كل حدث يتعلق بجريمة قتل أو انتحار، أن الادلة كلها تشير وتظهر للضباط فيما اذا كانت عملية قتل او إنتحار، لكن تدخل الأهل والعائلة ينتهي بأن يتحول الموضوع الى إنتحار ويتم تقييده على إنه إنتحار”.
لكن في بعض الحالات كما يقول المصدر، حينما تكون هناك ضجة أو رأي عام على القضية فأن الشرطة تتمكن من الإعلان عن تفاصيل الجريمة بكل وضوح”.

مسؤولية المجتمع
تؤكد الناشطة بمجال حقوق المرأة زهراء العبدالله لـ”المركز الخبري”، أن “استمرار إرتفاع ظاهرة جرائم الشرف وغسل العار وإزديادها من شأنه أن يقوض النظرة الإيجابية للمرأة في الجنوب ويعزز فكرة أن تكون المرأة مجردة وأقل مرتبة من الرجل وأنها وجدت للجنس والمطبخ، بل أنها قد تؤثر على مستقبل الاجيال اللاحقة من النساء ممن يبحثن عن حياة مدنية بعيدا عن تسلط القبيلة والاعراف”.

تضيف العبدالله، أن “المجتمع مسؤول عما يحصل بسبب الصمت الذي يجري بحق المرأة، فهي إضافة للمشاكل اليومية التي تحصل بحقها من تمييز ومنعها في العمل وجلوسها في البيت يزيد الامور تعقيدا لها وبالتالي تبحث عن مخرج لها، هو ليس تبريرا لما يحصل ولكن لا أن يصل الموضوع للقتل، هناك حلول أخرى بعيدا عن القتل”.

توضح، أنه “على الرغم من ظاهرة الحرية ووسائل التكنولوجيا لكن لا تزال هناك اعداد كبيرة وجماعات بشرية في محافظة ذي قار بشكل خاص تؤمن بفكرة أن يتم اجهاض احلام المرأة، في الوقت الذي هي بحاجة الى أن تكون هناك فسحة ومساحة لها في مجال التربية والتعليم وتوفير فرص عمل كذلك أن تحظى بحياة كريمة لكن كل ذلك يجب أن يرافقه قوانين داعمة للمرأة”.

الحقيقة أن المرأة، كما تقول العبدالله لازالت هي الحلقة الأضعف التي تواجه نتائج الأزمات الوخيمة التي تمر في المجتمع العراقي فهي مكشوفة الهدف بلا سند يحميها ولا سلاح بيديها يدرئ عنها مظالمها، حيث تواجه تشريعات مرت عليها عدة عقود ومؤسسات لازالت تعاني غياب الوعي الحقوقي والمؤسسي”.

القانون العراقي والمرأة
عند مراجعة نص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل سنجد أن ذلك القانون يشرعن لتمييز كبير ضد المرأة بأن يعطي عذرا قانونيا لعقابا مخففا لمن يقتل زوجته أو أحد محارمه بمجرد انها ارتكبت فعلا مخلا بالاعتراف والتقاليد في ظرف قد يكون أن الجاني قد استغل طيش أو حالة ضعف أو قصر في عمر وتجربة المرأة أو الفتاة حيث حدد التشريع عقوبة قد تصل لثلاث سنوات من الحبس فيما لو كانت المرأة فعلا قد ارتكبت الفعل المخل بالحياء كما يقول الحقوقي علي حسين جابر.

يضيف جابر خلال حديثه لـ”المركز الخبري الوطني”، أن “المادة أصبحت عذرا لاستهداف النساء التي تخالف الرغبة الذكورية القاهرة داخل الأسرة وقسرا فأصبح بعض أقارب المرأة ممن هم على مصلحة في تغييب إرادة المرأة بالزواج أو العمل القسري أو ترك الدراسة يلفقون التهم على النساء اللاتي يصرن على إرادته الحرة وبالتالي ينتهي بهن الأمر إلى القتل بداعي الانتحار أو جرائم الشرف الملفقة والمؤلم أن كثير من النساء قد أنهيت حياتهن دون أخبار للسلطات بفقدهن أو وفاتهن من أجل عدم توقيع العقاب على الجناة من الأقارب”.

يؤكد جابر “أصبحت كثير من جرائم القتل الموجهة للنساء ينتهي بها بالغلق اما بعدم الأخبار عنها من قبل الاهل أو بفبركة الشهادات والأقوال قضائيا مع اخفاء الأدلة أو تزييفها بغية تضليل القضاء سيما وأن الشهود الوحيدون هم الاهل أو الأقارب الذين سيتكتمون على الحقيقة كما أن الأعراف الاجتماعية تمنع من غير الأقارب الأخبار عن واقعة القتل خشية الاستهداف العشائري”.

وزيد في القول أن “جرائم غسل الشرف في العراق تكون مؤطرة بدوافع اجتماعية مستحكمة لاتعرف منطقة جغرافية في العراق دون أن تسجل فيها تلك الحوادث شمالا أو جنوبا شرقا أو غربا وحتى النصوص القانونية التي تعطي ذلك الظرف المخفف للعقوبة خضعت في وقت إصدار التشريع إلى ذلك المنطلق الذكوري والأجتماعي المهيمن على مصدريه بل إن المشرع القانوني قد جامل العرف الاجتماعي عند إصداره”.

يبين جابر “أن عدم اتخاذ إجراءات حكومية وتشريعية في رفع الظلم والتمييز ضد المرأة سيؤدي بالمحلة إلى مزيد من الانتهاكات الحقوقية الموجهة للمرأة وستؤدي إلى مبدأ شرعنة افلات الجناة من العقاب سيما وأن من الأعذار القانونية المخففة التي سيستفيد منها الجناة هو حسن سيرتهم وعدم الحكم عليهم بعقوبة سابقة ستؤدي إلى إصدار أحكام موقوفة التنفيذ بحق الجناة وهذا يعني أن حتى عقوبة الثلاث سنوات الواردة في نص المادة 409 من القانون الجنائي آنف الذكر سوف لن تطبق بحق القاتل لأنه سيستفيد من عدة أعذار قانونية والتي تشكل تمييزا جسيما بحق المرأة”.

وينص القانون العراقي على العقوبة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبس بالزنا، أو وجدها في فراش واحد مع شريكها فقتلها في الحال، أو قتل أحدهما أو اعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداء أفضى إلى الموت أو عاهة مستديمة، ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق عليه أحكام الظروف المشددة.