الأثنين, 12 أبريل 2021 2:02 م

فرهاد علاء الدين

عقب إنتهاء مجلس النواب العراقي من تعديل قانون المحكمة الاتحادية والذي كان يشكل الحلقة الأكثر تعقيدا في سلسلة التحضيرات لإجراء الإنتخابات المبكرة، الى جانب قراره بحل المجلس قبيل الموعد المقرر للإنتخابات المرتقبة والمشروط بعملية الإجراء، تكون الأرضية الدستورية قد توفرت لإنتهاء حكومة الكاظمي من الإيفاء بما ألزمت نفسها تلبية لرغبة ساحات التظاهر والإحتجاج.

ومما يعزز هذه الأرضية إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بأن الموعدين المقررين لتسجيل المرشحين في 17 نيسان الجاري والتحالفات في 1 أيار القادم غير قابلين للتمديد، الى جانب تعاقدها مع شركة المانية فاحصة وكذلك إستمرارها بتحديث بيانات الناخبين.

تلك المقدمات كانت إيذانا بإنطلاق تسابق الأحزاب والقوى السياسية لعقد وتشكيل تحالفاتها خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، بالرغم من تراخي البعض إزاء حسم أمر إنضمامه لهذا التحالف أو ذاك. القوى الكبيرة مثل التيار الصدري وتحالف الفتح حسمت امرها قاطعة شوطا كبيرا في إطار إستعداداتها الجارية لخوض معركة التنافس الإنتخابي المنتظر، والذي بلغ مرحلة اكمال مقابلة المرشحين تمهيدا لتقديم قوائمها الى المفوضية العليا المستقلة في مواعيدها المحددة.

رفض المفوضية للضغوطات

من جانبها دعت المفوضية العليا المستقلة الأحزاب في بيان لها يوم 9 نيسان 2021 الكتل السياسية الالتزام بالمواعيد المحددة والتشديد على ضرورة “الالتزام بالمواعيد الخاصة بتحديث بيانات الناخبين وتسجيل التحالفات واستقبال قوائم المرشحين وصولا الى يوم الاقتراع” ويأتي البيان على خلفية ضغوطات كبيرة مازالت تتعرض لها المفوضية العليا من اجل تمديد فترة تقديم المرشحين.

مصدر مطلع أفاد بأن المفوضية مصرة على عدم التمديد وانها تطالب القوى السياسية بمراعاة المواعيد المقررة ووجوب إحترامها، فإما تأجيل الانتخابات او لا تمديد في تلك المواعيد عازية ذلك الى ان “تمديد موعد تسلم التحالفات يعني بالضرورة تمديد موعد الانتخابات بفعل التغيير الذي سيطرأ في جدول العمليات الانتخابية”.

جدير بالذكر بان بعثة الأمم المتحدة تتفق مع المفوضية فيما ذهبت اليه برفض تأجيل المواعيد وان البعثة “لا تجد مبررا حقيقيا لتمديد المدد المحددة عدا ان الأحزاب السياسية متقاعسة في أداء عملها نحو اكمال التحضيرات”.

يبقى هنا موضوع اصدار المرسوم الخاص بتحديد موعد الانتخابات من قبل رئيس الجمهورية، بعد ان صوت مجلس النواب على حل نفسه في السابع من تشرين الثاني بشرط اجراء الانتخابات في العاشر من نفس الشهر، بالرغم من الجدل القانوني حول دستورية قرار البرلمان، والحل المشروط بالإجراء الفعلي، في حين ان المادة ٦٤ من الدستور المتضمنة دعوة رئيس الجمهورية لإجراء الانتخابات المبكرة مرتبطة بشرط حل مجلس النواب، ما يعني ان المرسوم الجمهوري يجب ان يصدر بعد حل مجلس النواب وليس قبله، لكن غياب مبدأ الثقة بين الكتل السياسية من جهة وضعف قناعة القيادات السياسية على ما يبدو بالعملية الديموقراطية بشكل عام هما من دفعها الى ابتكار بدع دستورية لتسيير الأمور على هذا النحو وبما يتماشى مع معظم الرغبات والنوايا السائدة من دون الالتفات الى المخاطر المستقبلية المترتبة على هذا التلاعب أن جاز تسميته كونه يجسد حقيقة عدم التزام اللاعب السياسي ببنود الدستور ونصوص القوانين النافذة.

إجراء الانتخابات من عدمه

لقد كان الرأي السائد قبل اشهر بانه لن تكون هناك انتخابات في سنة 2021، والرأي الارجح بانها ستتأجل الى الشهر الرابع او الخامس من العام المقبل، الا ان إقرار تعديل المحكمة الاتحادية وقرار مجلس النواب بحل نفسه بدد بعض الشيء من الشكوك حول النوايا المبيتة للقوى السياسية، مما رجح احتمالية اجراء الانتخابات بنسبة تتجاوز الخمسين بالمائة. في حين يتردد داخل أروقة القرار وخلف الكواليس بأن ثمة محاولات لربط انتخابات المجالس المحلية مع الانتخابات العمومية والذي يتقاطع مع الموعد الحالي مما يوجب التأجيل.

مراقبون يعتقدون بانه هناك كتل سياسية لا ترى من مصلحتها إجراء الإنتخابات خلال العام الحالي مع إقرار الموازنة وتخصيص أموال طائلة للمشاريع والوزارات والمحافظات، وهذه الكتل هي المسيطرة على قرار الإحالة والصرف لهذه المشاريع وهي بحاجة الى هذه الأموال لتسيير الانتخابات لصالحها ولكون الوقت لن يكون كافيا لتحصيل هذه الأموال والانتخابات على الأبواب.

خارطة التحالفات الانتخابية

لقد كان هناك امل كبير بخصوص تكوين تحالفات عابرة للمكونات وهذا ما اعرب عنه عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، منذ مدة وكررها في زيارته الأخيرة لمحافظة الانبار في العاشر من نيسان بشكل سردي ومن الماضي بقوله: “طرحنا التحالف العابر للمكونات بوجود قوى سياسية في تحالف واحد يمثل الجميع يقابله تحالف عابر آخر”. يبدو جليا انه لم تكن هناك استجابة حقيقية لتكوين هذا التحالف، حيث اختلفت مع هذه الرؤيا كتل سياسية شيعية كبيرة وذهبت اما للتفرد بوحدها مثل الكتلة الصدرية او للتحالف الشيعي مثل تحالف الفتح، والقوى السنية الكبيرة اتجهت نحو عدم الدخول في التحالف مع القوى الشيعية وقررت الدخول منفردة او متحالفة مع قوى سنية أخرى لخوض غمار الانتخابات ولعل الإعلان عن تحالف العزم بزعامة خميس الخنجر مثال جيد على ذلك. القوى الكوردية لم تبدي حتى الآن رأيها حول التحالف مع القوى العراقية الأخرى عدا الاتحاد الوطني الذي لم يعارض الدخول في التحالف العابر للمكونات مع الحكيم، واغلب الظن بانهم لن يجازفوا بدخول التحالفات العابرة في هذه الدورة.

الجدير بالذكر ان الأحزاب الحالية المتجذرة في الواقع السياسي تعمل على قدم وساق لخوض الانتخابات في المواعيد المحددة، وهنا لا يمكننا القول بان الأحزاب الجديدة والتيارات المنبثقة من رحم الانتفاضة مستعدة تماما، كونها بقيت أسيرة مناطقها مع غياب التنسيق حتى فيما بين محافظاتها، عليه فان المنافسة ستكون شديدة فيما بينها مما يعني تضاؤل فرصها بالفوز كونها تنافس بعضها البعض. الى جانب عدم توفر الامكانيات المالية واللوجستية مقارنة بالأحزاب الحاكمة، لذا فأن لا خيار أمامها سوى التنسيق المشترك فيما بينها والدخول بتحالف ضاغط من شأنه أن يهدد الاحزاب الحاكمة والتحالفات التقليدية لتخطي مرحلة الإمتحان الصعب في أول تجربة تتاح أمامها.

نزاهة الإنتخابات ومحاولات التزوير

لاشك أن وتيرة الحراك السياسي ستتسارع في غضون الأيام القليلة القادمة وتشتد التجاذبات بعد 1 أيار فيما اذا بقي الموعد قائما، وستدخل الكتل السياسية في مرحلة الدعاية الانتخابية ولو بشكل غير رسمي في وقت واحد، الشكوك حول نزاهة الانتخابات ومحاولات التزوير ماتزال تثير مخاوف الكثير من المراقبين، والتي أثارتها مؤخرا تعاقد المفوضية العليا المستقلة مع شركة المانية فاحصة للنظام الانتخابي في حين كان من المقرر التعاقد مع شركة عالمية رصينة. الى جانب السكوت المطبق حول الأشراف الأممي والمراقبة الدولية بعد ان كانت من المواضيع المهمة في النقاش السياسي في الأشهر الماضية. وقد خليت أدراج مجلس الأمن من أي محاولة جدية للمضي بقرار الموافقة على المراقبة وتخصيص الأموال اللازمة البالغة 25 مليون دولار، بالإضافة الى تخويل بعثة الأمم المتحدة العاملة في العراق صلاحية إدارة مراقبة الانتخابات. وقد افاد مصدر في بعثة الأمم المتحدة بأن البعثة مازالت بانتظار موقف الحكومة العراقية لتحريك الملف والدفع به داخل أروقة مجلس الأمن الدولي.

تأتي أهمية المراقبة الدولية وسط شكوك حيال نزاهة الانتخابات في ظل السلاح المنفلت والمجاميع المسلحة التي تسيطر على مراكز مهمة في المدن الكبيرة، وانها قد تتدخل لصالح جهات سياسية ضد أخرى، مما يلغي مبدأ تكافؤ الفرص أمام المتنافسين وتغييب العدالة. لذا فأن وجود المراقبين الدوليين سوف يعطي الشرعية للانتخابات ومن شأنه أن يوفر أجواء آمنة من شأنها أن تبدد كل الشكوك والمخاوف القائمة، وتمنح عموم الجمهور الإنتخابي الثقة بنزاهة الإنتخابات. وبخلافه قد نشهد عزوفا لافتا بالمشاركة الواسعة المتوقعة وبالتالي وأد رغبة الشارع العراقي في ضمان رؤية تغيير المشهد السياسي القائم.

المنافسة في الانتخابات القادمة ستكون على أشدها وستبلغ حد الشراسة بين عموم الكتل والمرشحين، حيث ان السباق على المقاعد البرلمانية سيطال مناطق محصورة ودوائر معروفة، عليه فإننا سنكون امام مشهد مختلف وعملية انتخابية جديدة يصعب التكهن بنتائجها، يرى مراقبون بأن المرشحين من خارج التحالفات القائمة سيكون لديهم حضور قوي وبإمكانهم الفوز بعدد لا بأس به من المقاعد مما سيصعب الأمر أمام الكتل الكبيرة وبالتالي سيتعقد المشهد بشكل اكبر عند تشكيل وتسمية الكتلة الفائزة الأكبر في الجلسة الأولى لمجلس النواب القادم. وبالتالي إحتدام الصراع على منصب رئيس مجلس الوزراء الجديد وتشكيله لحكومته المرتقبة، في ذات الوقت لن تكون المنافسة على منصب رئيس مجلس النواب اقل احتداما بين الكتل السنية، ولعل المشهد الاهدأ هو المشهد الكوردي حيث سيعود حسم ملف منصب رئيس الجمهورية الى البيت الكوردي وعلى الأغلب لن يتكرر مشهد 2018 مرة أخرى. على العموم يبقى اجراء الانتخابات بمثابة الخطوة الأولى والتي باتت قريبة الى حد ما، لكن هاجس التأجيل كان ومازال وسيبقى يراود معظم الأذهان.