السبت, 10 أبريل 2021 11:12 م

د. سيف الدين الدراجي: باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي، ورئيس منظمة المدى للتطوير والدراسات الإستراتيجية.

الحلقة الخامسة عشرة
“الأُمة التي تُحسن أن تجهر بالحق وتجترئ على الباطل، تمتنع فيها أسباب الفساد”. عباس محمود العقاد.

تواجه الدول تحديات كبيرة من أجل الحفاظ على أمنها الداخلي وتَبَنّي سياسات خارجية تتوائم واستراتيجياتها الداعمة لمرتكزات أمنها القومي.
يُشكل الفساد خطراً كبيراً على الأمن القومي لما له من تأثير سلبي وتداعيات خطيرة وطابع تخريبي على البيئة السياسية والاجتماعية والعسكرية فضلا عن التنمية الاقتصادية للدولة ومكانتها ضمن المنظومة العالمية والمجتمع الدولي.
يُقصَد بالفساد في معاجم اللغة بمعنى (فَسَدَ) ضد (صَلُحَ) ويُقال فَسَدَ الشيء أي بَطُلَ واضمحلَّ. ويأتي التعبير على معانٍ عِدة بحسب موقعه.
إن في تعريف الفساد اصطلاحاً إتجاهات مختلفة، تتفق جُلها على أنه ” إساءة استخدام السُلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص”.
إن أمن الدول ومكانتها ضمن مُحيطها الدولي والأقليمي لا يعتمد فقط على ماتقوم به من أجل الحفاظ على وحدة أراضيها وسيادتها واستقلالها فحسب، بل وعلى قُدرتها على الاستمرار في دعم وتعزيز وتوفير الإحتياجات الأساسية والمصالح الحيوية لشعوبها وقمع قوى الفساد وتفكيك شبكاته وعناصره الداعمة والمُتستِّرة والمسؤولة عن انتشاره وتناميه داخل حدود الوطن وخارجه.
يُغذي الفساد الصراعات الداخلية ويُزيد من فُرص التخندُقات خلف كانتونات ومجاميع تٌمَهِّد لنزاعاتٍ ذات أبعاد دولية وإقليمية، نتيجة لتفشي الفقر وتنامي الشعور المجتمعي بالظلم والقهر، وإرتفاع مُعدلات البطالة وتشويه القيم والمبادئ الأخلاقية، وإرساء قواعد فاسدة تدفع بالمسؤولية لمن لايمتلك معايير الاضطلاع بها وفق مفاهيم؛ المحسوبية والمنسوبية وبيع الذمم، ونهب الثروات وتقاسمها بين فئات مُتَنَفِّذة تَمتَلِك السُلطة والسِلاح والشرعية.
إن تفشي الفساد وهشاشة الأنظمة السياسية الغارقة فيه، يفتح الباب أمام إزدياد التدخلات الخارجية ودعم التنظيمات الإرهابية والخلايا التخريبية وعصابات الجريمة المُنظَّمة، وتهدد التماسُك المُجتمعي وتُزَعْزِع الثقة بالمؤسسات الحُكومية وتُربِك الجُهود الأمنية والعسكرية، وتُقلل من مواردها التي تُمكنها من القيام بواجباتها الوطنية، وتُشغلها بأمورٍ خارجة عن نطاق مهامها المُناطة بها، وتُدخِلها في حلقة الصِراع المُفرغة التي تدور حولها رحى الخلافات والإتهامات التي تتبادلها الأطراف والكيانات المختلفة ضمن واقع التنافس الشرس و غمار المعترك السياسي المحموم.
تولي الدول اهتماماً كبيراً لقضايا الفساد عند إتخاذ قراراتها بشأن سياساتها الخارجية والدفاعية، بالإضافة الى مصالحها الإقتصادية المُتعلقة بجلب الاستثمارات المباشرة أو إيجاد الأماكن المناسبة للإستثمار بُغية تقييم الكُلَف قِبالة المنافع، وتحديد الفُرص قِبالة التحديات.
كما تسعى الدول ولاسيما تلك التي تهدف استراتيجيات أمنها القومي الى تعزيز عناصر قوتها الوطنية من جهة، ومُحاولة فرض سياساتها الموجهة بإستخدام أدوات قِواها الناعمة والخشنة من جهة أخرى، الى تحليل المخاطر وتحديد البُلدان لاسيما تلك التي يُشَكِل الفساد بالإضافة الى عوامل أخرى تهديداً يُعرض أمنها واستقرارها ورفاهية شعوبها للخطر، وبالتالي يسهم في تفاقم التهديدات المُزعزعة للإستقرار الدولي ويُقلل من فُرص الانفتاح؛ السياسي والإقتصادي والثقافي والاجتماعي، ويُضعف أو يقوض مقومات نجاح وتعزيز الشراكات الأمنية والعسكرية ولاسيما الاستخبارية منها.
لقد أعربت الأُمم المتحدة عن قلقها بشأن “خطورة مايطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على إستقرار المجتمعات وأمنها، مما يوهن دور المؤسسات الديمقراطية ويهدد قيمها، ويُعرِّض التنمية المُستدامة وسيادة القانون للخطر”، وهو ما دفعها الى صك قانون دولي لمكافحة الفساد إستناداً لقرار الجمعية العامة المرقم 58/4 المتمثل باتفاقية مكافحة الفساد التي دخلت حيز النفاذ في العام 2005. كما حددت يوماً دولياً لمُكافحة الفساد في 9 كانون الأول من كل عام.
لقد أصبحت قضية مكافحة الفساد واحدة من أولويات إستراتيجيات الأمن القومي، فضلاً عن الوطني، لما لها من أبعاد وتأثيرات وانعكاسات داخلية، وجذور إقليمية ودولية. لذا وفي ضوء ماتقدم، لابد من التأكيد على أن نتاج البيئة الضعيفة لدول تُعاني من تفشي لظاهرة الفساد داخل مؤسساتها، هو تهيئة أرضية مُناسبة لبناء مواقف دولية وإقليمية مُتأثرة بتدخلات خارجية وسياسات مفروضةمن قوى أجنبية، لاتخاذ قرارات مهمة في إتجاهات لاتتوافق والمصالح الوطنية. الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف، الى إنعدام الثقة بمٌجمل النظام السياسي والانقلاب الكُلي على أفراد الطبقة الحاكمة، والذي قد يكون في أحسن الأحوال إنقلاباً ابيضاً أو/و عبر الطُرق الديمقراطية -إن كانت شعوب تلك الدول محظوظة- والإ فإن الفوضى وانعدام الأمن هو السيناريو الأكثر احتمالاً في مثل هكذا مواقف ونتيجة لهكذا تداعيات.