الجمعة, 26 مارس 2021 1:10 م

فرهاد علاء الدين: رئيس المجلس الاستشاري العراقي.

عقب تأكيد المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية علي خامنئي يوم ١١ اذار ٢٠٢١ بانه “يجب على امريكا الخروج من العراق” أفادت أنباء بعقد سلسلة اجتماعات مكثفة شهدتها بغداد وطهران وبيروت، بمشاركة ممثلين عن الفصائل المسلحة، انتهت بإعلان وقف “استهداف القوات والمصالح الأمريكية في العراق مقابل المطالبة الرسمية بخروج القوات الأمريكية من العراق ومن قبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي رسميًا على وجه التحديد”.

الى ذلك كشف مصدر مقرب من الحكومة بأن تحالف الفتح وعلى رأسه زعيم التحالف هادي العامري يضغط بقوة على رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي لتبني وتحديد جدول لانسحاب قوات التحالف. فيما عقدت القوى الخماسية الشيعية اجتماعا لها بحضور الكاظمي في ١٨ اذار ٢٠٢١، حيث طلب العامري بحث موضوع انسحاب القوات الامريكية من العراق، وتثبيت جدول زمني لمغادرتها. من جانبه نوه مصدر مقرب من الاجتماع بأن رأي الأحزاب الشيعية المجتمعة أتفق على تخويل الحكومة اتخاذ هكذا قرار بناءَ على مقتضيات المصلحة العامة والكشف عن مدى حاجة العراق لقوات التحالف في الحرب ضد داعش.

القوى السنية والكوردية متفقة من جانبها على ضرورة تواجد قوات التحالف بإعتبار أن الحرب على تنظيم داعش مازالت قائمة بدليل أن بقايا التنظيم مازالت تنشط في العديد من مناطق ديالى وكركوك وصلاح الدين وصحراء الرمادي، فضلا على تخوف هذه القوى من هيمنة الفصائل المسلحة على الساحة العسكرية والسياسية العراقية. وهي تتفق مع الإتجاه الشيعي الذاهب نحو تخويل الحكومة بتدارس الملف جيدا والتفاوض بشأنه مع قوات التحالف وبالتالي إتخاذ قرارها بالإبقاء على هذه القوات من عدمه.

نتيجة لضغوطات القوى الشيعية الموالية لإيران من جانب وبهدف تنشيط العلاقة بين بغداد وواشنطن، بعث وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مؤخرا رسالة الى نظيره الأمريكي يطلب فيه مواصلة الحوار الاستراتيجي، وتفعيل ما جاء في مذكرات التفاهم التي تم توقيها خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي لواشنطن في آب ٢٠٢٠. في حين كانت جدولة انسحاب القوات الامريكية من الأراضي العراقية في مقدمة مطالب الموضوعات المطروحة آنذاك ولكن خلا البيان الختامي للمباحثات الى الإشارة لأي جدول زمني لانسحاب القوات.

وجاء تصريح السفير الأمريكي ماثيو تولر في ٢٣ اذار ٢٠٢١ بان “جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي سيشهدها شهر نيسان القادم” لتأكيد توجه حكومة الكاظمي لمعالجة هذا الملف.

جدير بالذكر بان الجانب الأمريكي لا يشاطر القوى الشيعية الرأي بالانسحاب، ولا يعتقد بإمكانية العراق بسد الفراغ الأمني في حال انسحاب قواته، وقد كتب ديفيد شنكر، مساعد رئيس وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط السابق مقال عنوانه ” يظل وجودنا في العراق مصلحة حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة ” ونشره يوم ١١ اذار ٢٠٢١ قائلا:

“في غياب القدرات الأمريكية – لا سيما الاستخبارات المسلحة والمراقبة والاستطلاع أو الطائرات فبدونها ستفشل المهمة. في الوقت نفسه ، فإن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن يقلل من القدرات العسكرية العراقية ، ويقوض الثقة في الدولة، ويؤدي إلى تفاقم أزمة اقتصادية حادة بالفعل”،

وقال مصدر حكومي امريكي قريب من محادثات الحوار الاستراتيجي بان “المباحثات ستركز على الحملة لضمان الهزيمة الكاملة لداعش وكيف يمكن للقوات الأمريكية المتبقية تقديم المشورة والمساعدة وتمكين القوات العراقية من إجراء عمليات عسكرية تضمن عدم تهديد داعش للشعب العراقي مرة أخرى، وهذه هي مصلحتنا المشتركة”

وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي في تصريح صحفي يوم ٢٣ اذار ٢٠٢١ ان الاجتماعات “ستوضح بشكل أكبر أن قوات التحالف موجودة في العراق فقط لغرض تدريب وتقديم المشورة للقوات العراقية لضمان عدم تمكن داعش من إعادة تشكيلها”. ويقول مايكل نايتس، الخبير في شؤون العراق والباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى “ان المطالب بانسحاب القوات هي للقوات التي انسحبت أصلا في العام الماضي، والقوات الباقية دفاعية، مثل الدفاعات الصاروخية ، وحراس السفارة الذين يتعين عليهم البقاء ما دام هناك أشخاص أمريكيون في العراق. من الواضح أن المستشارين الأمريكيين غير القتاليين سيبقون ما دامت الحكومة العراقية بحاجة لهم لتقديم المشورة للعراق من خلال السفارة الأمريكية”.

وبالرغم من اعتقاد الجانب الأمريكي بأهمية تواجد قواته في العراق، الا ان الإدارة الامريكية الجديدة التي باشرت عملها في ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢١ لا تعطي العراق أولوية تذكر وركزت جل اهتمامها بمشاكلها الداخلية وخصوصا معالجة الازمة الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا، واصبح الشرق الأوسط بشكل عام والعراق بشكل خاص في ذيل قائمة أولوياتها السياسية. واقتصر اهتمام هذه الإدارة بمكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن ورئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، ومكالمة بين وزير الخارجة الأمريكي مع نظيره العراقي، ولم يبادر أي مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الجديدة بزيارة العراق لحد اللحظة. يعتقد مراقبون بان السياسة الامريكية في العراق يكتنفها الغموض على اقل تقدير، ويذهب البعض منهم الى الاستنتاج بانه لا توجد لدى الإدارة الجديدة رؤية خاصة ومدروسة للعراق وقد تستمر في السياسات القديمة ويتم التعامل مع العراق من خلال المنظار الإيراني. فيما يناقض هذا التوجه مايكل نايتس بقوله ” تتمتع إدارة بايدن بخبرة كبيرة في العراق، وإنهم يعطون العراق اهتمامًا أكثر مما قد يفعله معظم المسؤولين الأمريكيين، وسرعان ما يقدرون تأثير الأحداث هناك”

تعتبر الجولة المرتقبة من الحوار الاستراتيجي ذات أهمية خاصة كونها تعد اول لقاء رسمي بين المسؤولين في الحكومة العراقية والإدارة الجديدة في واشنطن، حيث سيكتشف الجانب العراقي مدى استعداد هذه الإدارة في مساعدة العراق وتنفيذ مذكرات التفاهم الموقعة بين الطرفين، بالإضافة الى دعم العراق لمواجهة الازمات المتعددة ومنها الازمة الاقتصادية وجائحة كورونا. والسؤال المطروح هنا كيف ستستغل الحكومة العراقية جولة الحوار القادم لطرح رؤيتها حول تواجد قوات التحالف وكيفية الاستفادة منها لمحاربة داعش، والتعاون مع قوات الناتو لتدريب القوات العراقية والعمل على محاربة الفساد داخل المؤسسات العسكرية، علما ان وزير الدفاع وبعض القيادات العسكرية أكدوا مؤخرا للقيادات الحكومية ان جهوزية الجيش العراقي اسوء من جهوزيتها في عام ٢٠١٤، بل حتى ما قبل هجوم داعش بحسب مصدر مقرب من وزارة الدفاع لم يود الكشف عن اسمه.

وجدير بالذكر بان الجانب الأمريكي يرفض تماما سحب قوات إضافية من الساحة العراقية لانهم يعتقدون بان العدد الحالي هو الحد الأدنى لأداء مهامهم بشكل ناجح وان اي طلب لتقليل القوات سيجابهه جواب مقابل: اما الانسحاب الكلي او يبقى الحال كما هو عليه، ولهذا السبب يعتقد المصدر الحكومي الامريكي بأن واشنطن ترى “أي مناقشة لجداول زمنية مصطنعة لا تخدم مصلحة أي من الدولتين”.

يرى مراقبون بانه بإمكان الفريق الحكومي الاعتماد على قرب الكاظمي من الجانب الأمريكي، والذي أكده مايكل نايتس بقوله “فريق بايدن يدعم بقوة إدارة مصطفى الكاظمي ، الذي يرى أنه أفضل رئيس وزراء يرجح أن حصل عليه العراق في ظل ظروف اليوم”. ويقول ديفيد شنكر في مقاله المشار اليه آنفا “في رأيي ، ربما يكون الكاظمي أفضل رئيس وزراء عراقي منذ انقلاب عام 1958 الذي أوصل البعثيين في النهاية إلى السلطة. لقد أظهر الكاظمي ، الشجاع والقومي ، استعداده لاتخاذ قرارات صعبة لصالح العراق”، وباعتقاد المراقبين ان الفريق العراقي بإمكانه ان يستغل هذه الآراء تفاوضيا لكسب المزيد من المساعدات والدعم من الجانب الأمريكي.

علينا الانتظار نتائج هذه الجولة من الحوار الاستراتيجي وكيف ستتعامل الجهات المطالبة بخروج القوات الامريكية مع هذه النتائج، الا ان العراق بحاجة الى فترة من الهدوء قبل ان تعصف به حمى الانتخابات والصيف اللاهب، ويساعد في تثبيت الهدوء، ويخفف من وتيرة التصعيد بين أمريكا وايران لحين اجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية بالإضافة الى ما سينتهي اليه ما يدور خلف الكواليس من مفاوضات بشأن العودة الى الاتفاق النووي مع ايران. بين هذا وذاك سيكون بإمكان العراق العمل بصمت على معالجة الازمة الاقتصادية ومحاربة فلول داعش واجراء الانتخابات المبكرة فيما اذا التزمت القوى السياسية بالمواعيد المحددة واذا التزمت قوى الفصائل المسلحة بالهدنة كما تم الإعلان عنها.