الجمعة, 17 فبراير 2023 10:20 م

أ.د. علي هادي الهلالي/ عميد كلية القانون– جامعة بغداد

قد يسعى الافراد، بجد، الى المطالبة نحو المزيد من الحرية، لكن سعيهم سيقف عند الحدود التي لا تسمح لهم بالتحرر تحت ستار الحرية ، كون التحرر يؤثر في الاسرة والمجتمع ومؤسسات الدولة ومناحي الحياة كافة، ومن ثم تغدو مطالبة الأعم الأغلب سائرة بالاتجاه المعاكس لتوطيد مساند القيم كافة، لرجحان الشعور بها على ما سواها، وبخاصة عندما يسعى الجيل الحالي لضمان حقوق الاجيال القادمة .
   وفي ظل التصادم بين اتجاه المطالبة بالتحرر غير المقيد ومواجهته بالاتجاه المطالب بالحق في الحرية المنضبطة صدر قرار مجلس القضاء الاعلى لضبط محتويات المتحررين الالكترونية وطرح قيود عدة لعد تلك المحتويات مجرمة هي : الذوق العام وقواعد الاخلاق وحماية المواطنين والمؤسسات ((كتاب مجلس القضاء الاعلى بالعدد /204/مكتب/2023 في 8/2/2023 )).
   ويستند قرار السلطة القضائية المتقدم الى أسس قانونية لا مجال لحصرها، ولكن يحق التساؤل عن اسسه الدستورية؟
   ابتدأ الدستور، بوصفه القانون الاعلى والاسمى، توكيده أنه مستمد من: “منظومة القيم والمثل العليا لرسالات السماء ..” ((ديباجة دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ))، ورسخ هذا المنهاج عندما قيد الحريات وبخاصة حرية التعبير والاعلام والنشر بعدم تجاوزها “النظام العام والآداب” ((المادة /38 من الدستور))، بل أن الدستور فرض على الدولة واجبات عدة اخصها المحافظة على: ” القيم الاخلاقية والوطنية، ورعاية الشباب ..” ((المادة/29 من الدستور)).
   ويتضح أن الحق في الحرية لا يقود الى التحرر من أي قيد ، فالمحتويات “الفنية والشعرية والاعلانات وسواها ..” يجب أن تكون متقيدة بالقيود المتقدمة وغيرها، إذ لا يجوز أن يكون المحتوى منتهكاً لها والا عد محتوى خادشاً للحياء العام أو الضبط العام أو سمعة الاشخاص أو هيبة الدولة أو منتهكاً لقيم الاسرة أو عابثاً بالسلم المجتمعي أو ساعياً الى الكراهية أو محتقراً للقيم الدينية أو الخصوصية القومية أو عاصفاً بالقيم المجتمعية الفضلى وسواها..
    إن تأثير المحتويات المُسيئة لا يقف بحدود المجتمع الحالي، لكونه يؤثر في تنشأة الاجيال القادمة، كما لا ينحصر المحتوى المسيء بالمحتوى الرقمي فقط بل يشمل المحتويات التي تقدم عبر وسائل الفن والاعلانات والاعلام وتطبيقات التواصل كافة.
   بالمعنى، الواسع، المتقدم يكون قرار السلطة القضائية مرتكزاً الى ثوابت دستورية مما يوجب أن يكون نطاقه تطبيقه شاملاً للمعنى الواسع أعلاه.