الثلاثاء, 31 يناير 2023 10:48 م

د. سيف الدين زمان الدراجي

باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي.
*” العالم ينقسم إلى نوعين من الأشخاص: أولائك الذين يتبعون ارادتهم، وآخرون يتبعون إرادة الآخرين. النوع الأول أقوياء ولا يسمحون لأحد بالتحكم بهم، والنوع الثاني ضعفاء و مطمئنين بإعادة إنتاج ما يفعله الآخرون وما يقولونه” الفيلسوف نيتشه.*
يعد الأمن الاجتماعي ‏مرتكزاً مهماً وأساسياً من مرتكزات الأمن القومي. فكلما كان المجتمع آمن في بيئته، كان مستقراً مزدهراً تتوفر فيه فرص الأعمار و الاستثمار والتنمية على المستوى الداخلي و على شكل علاقات دولته بمحيطها الإقليمي والدولي.
أن الفرد يحتاج إلى تأمين غذائه بالإضافة الى عمل يشعره بذاته، و رعاية اجتماعية متكاملة تجعله يعيشُ مطمئناً ينعم بحياته، وبالتالي يعيش في امن اجتماعي .
ان تعزيز مفهوم الأمن البشري والتنمية و مدلولات ونماذج بناء الدولة على المستوى المحلي للمجتمعات الخالية من الخوف والمتحررة من العوز، سينعكس بشكل إيجابي على جميع أصحاب المصلحة (افراداً ومجتمعات وسلطات)، لتنتقل من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني. يشير ماركس الى ان ” جوهر الإنسان ليس تجريداً متأصلاً في كل فرد على حده، وإنما هو علاقاته الإجتماعية”.
تعتبر كل من السلطة الحاكمة والنظام، واحدة من اهم عوامل الأمن الاجتماعي. حيث لا يمكن لأي مجتمع أن يتعايش دون قوانين وتعليمات وسلطة تضبط تصرفاته وأفعاله للحد من الفوضى وسرطان تطبيق قانون الغاب الذي ما أن استفحل حتى ظهرت التجمعات المسلحة والعصابات الاجرامية و المافيات العائلية التي تقسم ظهر الدولة، وتهدد أمن سكانها وحرياتهم.
أن الطبيعة البشرية وما تتأثر به من دوافع وميول لتلبية الاحتياجات، تذهب باتجاه العيش في مجتمعات توفر لها الحماية، وتؤمن لها ضروريات العيش، خوفاً من الانعزال ودفعاً لما قد يقوم به أفراد اخرين أو مجموعات أخرى من إلحاق الضرر بها.
لقد تعددت مفاهيم الأمن الاجتماعي في ظل تطورات العولمة التي تفرض آثار و عواقب مختلفة على حياة الفرد والجماعة ترتبط بشكل لايقبل الشك بمعايير واولويات ما تفرضه طبيعة التحديات الخارجية والدفاعية لقضايا الأمن القومي.
أن مفهوم الأمن القومي مرتبط بشكل وثيق بكل ما له علاقة بالأمن الإنساني و الأمن المجتمعي و الأمن الاقتصادي والأمن الوطني والأمن الدولي والإقليمي، وكلما حققت الدولة والسلطة الحاكمة أهدافها التنموية في الحرية والعدالة والمساواة والتقدم والازدهار، كلما كان لذلك دور في تعزيز مكانة الدولة إقليمياً ودولياً.
إن البيئة الدولية تشهد حالة من التعقيد في ظل تنامي الأزمات المتتالية والصراعات المستمرة. وأن المجتمعات الهشة التي تعيش حالة الفوضى واللاإستقرار والخوف من المستقبل، ستكون مجرد سلسلة حلقات ضعيفة بالكاد ترتبط ببعضها، تتقطع وتنفصل حال تعرضها لأي قوة شد مسلطة من جهات خارجية تسعى لتصدير أزماتها وصراعاتها لأراضِ أخرى لتخفيف الضغط المسلط عليها من قبل فواعل داخلية أو خارجية.
أن الإجراءات التي تتخذها الدول والمنظمات الدولية لضمان أمنها واستقرارها هو ما يطلق على الأمن الدولي كمفهوم شامل. يتجسد ذلك المفهوم بشكل أعمق بشكل العلاقة فيما بين تلك المجتمعات التي تمثل تلك الدول والمنظمات من حيث المشتركات. حيث تلعب بعض المعايير من حيث القيم أو الثقافات أو المتبنيات الأخرى دوراً في تقريب التعاون والتفاهم بين عدد من الدول والمجتمعات كما في؛ الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي و مجلس التعاون الخليجي و الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية وغيرها.
إن ما يشهده العالم من تحديات و تغيرات أساسية في مختلف جوانب الحياة المعاصرة وعلى مستويات عدة اقتصادية واجتماعية وتقنية وثقافية وعسكرية وسياسية، أثرت بشكل واضح على طبيعة منظومة القيم وشكل العلاقات المجتمعية في معظم دول العالم.
كما أن إنعدام الحدود الفاصلة في ظل نظام العولمة الحالي، جعل هناك فرصة لتلاقح الأفكار وتبادل الرؤى والثقافات بين المجتمعات دون قيود أو شروط، إلا التي تفرضها بعض القيم والموروثات، أو الدول التي تحاول اما السيطرة على مجتمعاتها لضمان استمرار تسلط حكوماتها، أو دفاعاً عن مصالح مجتمعاتها وأمنها واستقرارها، وهو ما قد تكون له تداعيات سلبية أو آثار إيجابية على المجتمعات بشكل عام.
أن الأمن المجتمعي بات عرضه للتأثر نتيجة الرسائل الموجهة وغير الموجهة والتي تطلقها دول أومنظمات او فواعل غير دولية لزعزعة الأمن المجتمعي وهز ثقة المجتمع بقدرة السلطة الحاكمة على توفير الحماية اللازمة، الأمر الذي يتطلب وعي جمعي وسعي ممنهج من قبل الأجهزة المختصة لمواجهة الرسائل والماكنات الإعلامية والبرامج المشوهة وما يطلق من ملوثات مجتمعية تستهدف صحة المجتمع وتماسك أفراده بفعل تأثير القوى الناعمة أو القوى الحادة.
إن وجود مجتمع متماسك قادر على مواجهة الهزات والصراعات والأزمات الداخلية سيحقق استقراراً من الممكن أن تستثمره هذه المجتمعات وحكومات دولها في تعزيز القدرة على الصمود في حال تعرضها لتهديدات مباشرة أو ارتدادات لمخاطر وتهديدات غير مباشرة من قبل محيطها الدولي والإقليمي، وهو ما سيزيد من مكانتها كعامل توازن ومفتاح حل وطرف مفاوض في الكثير من القضايا العالقة والأزمات المتجذرة والتي ستسهم في تحقيق اهداف آنية ومسارات استراتيجية تعود بالنفع على الجميع، على المدى القريب والبعيد!