الأربعاء, 15 يونيو 2022 11:42 ص

فرهاد علاء الدين

لو كتبنا هكذا عنوان لمقال قبل أسبوع، لوصفه الجميع بنسج من الخيال أو ضربا من الجنون، لكنه أصبح اليوم حقيقة. اذ فاجأ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حلفائه قبل منافسيه بمغادرته المشهد السياسي، وسحبه لنواب الكتلة الصدرية بعد تقديم استقالاتهم لرئيس مجلس النواب الذي وافق “على مضض” بحسب قوله، من دون تريث.

خروج التيار الصدري من مجلس النواب ولأول مرة ما بعد 2003 يعتبر سابقة هي الأولى من نوعها، اذ إعتاد التيار الإنسحاب من الحكومات التي ساهم بشكل أو بآخر في تشكيلها خلال الأعوام 2010 و 2014 و 2018، لكن الانسحاب هذه المرة من مجلس النواب برمته والذي سيقلب المعادلة السياسية القائمة رأسا على عقب بل سيؤثر على موقع وتأثير الصدر على الساحة.

أثيرت الكثير من علامات الاستفهام فور الاعلان عن القرار المفاجئ ومعها موجة تساؤلات حادة حول الأسباب التي دفعت الصدر الى إتخاذ خطوة من هذا النوع دون الرجوع الى شركاءه في التحالف الثلاثي، دهشة المقربين قبل الاخرين عقدت ألسن الغالب الأعم من الشارع العراقي الى جانب المراقبين والنخب المجتمعية، بحثا عن إجابات مقنعة من شأنها تفسير مالم يفسر حتى الآن.

في يوم 26 ايار الماضي تم تمرير قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، والذي اعتبره الصدر إنتصارا مهما لكتلته البرلمانية، شاكرا الله ونواب تياره على هذا الإنجاز في تغريدة له بهذا الشأن، أعقبها بتغريدة أخرى بتاريخ 28 ايار، مطالبا بتمرير قانون الامن الغذائي الطارئ المثير للجدل حتى اللحظة، والتي كانت إيذانا بتحرك الماكنة البرلمانية للتيار الصدري بقيادة النائب الأول لرئيس مجلس النواب حاكم الزاملي ورئيس اللجنة المالية حسن الكعبي ومن خلفهما الهيئة السياسية للتيار لإنجاز ما أراده زعيمهم.

وقد تمكنوا فعلا من إزاحة كل العوائق أمام تشريع القانون ليتم تمريره بأغلبية مريحة في 8 حزيران الجاري، مما دفع الصدر لوصفه بتغريدة مماثلة بالانتصار “يعد اقرار البرلمان لقانون الأمن الغذائي انتصاراً آخر لفسطاط الإصلاح، وقد ثبت للجميع قوة البرلمان العراقي التي لم يسبق لها مثيل في السنوات المنصرمة”، مطالبا بتشكيل لجنة برلمانية لمتابعة تنفيذ القانون.

بعد يوم واحد على هذا الإنتصار الصدري تم الإعلان عن ترقب كلمة متلفزة لزعيم التيار الصدري مساء التاسع من حزيران، حيث أطل الصدر على شاشات التلفاز ليشن هجوما عنيفا على خصومه السياسيين، موعزا الى نواب الكتلة الصدرية “كتابة استقالاتهم من مجلس النواب استعدادا لتقديمها لرئاسة البرلمان بعد الايعاز لهم في قابل الأيام”.

شكلت إطلالة الصدر ومضمون خطابه فضلا على الإيعاز الى نوابه بكتابة إستقالاتهم مفاجأة كبيرة بين مختلف الأوساط، لكن المفاجأة الأكبر وعلى غير المتوقع إطلاقا جاء قرار الصدر في تغريدته ليوم 12 حزيران الجاري الى رئيس وأعضاء الكتلة الصدرية بتقديم الاستقالات والطلب من رئيس مجلس النواب المصادقة عليها وقال: “هذه الخطوة تعتبر تضحية مني من اجل الوطن والشعب لتخليصهم من المصير المجهول، كما ضحينا سابقا من اجل تحرير العراق وسيادته وامنه ووحدته واستقراره”.

التيار الصدري الى اين؟

سياسيون ومراقبون راودتهم تساؤلات عدة من بينها مالذي دفع الصدر لأن يتخذ هذا القرار المفاجئ؟ ما هي الأسباب؟ هل من خطوات مفاجأة أخرى قادمة؟ ماذا يخطط للمرحلة المقبلة؟ ما الذي سيجنيه بقراره هذا؟ أية خطة يتبعها الصدر في منازلة الخصوم؟ هل لديه قراءة واضحة لما سيحصل بحيث استبق منافسيه للخروج من العملية السياسية قبل انهيارها؟ كل هذه التساؤلات وغيرها مردها التغيير الجذري الواضح بموقف الصدر، بعد اعلانه لإنتصاره في تمرير قانوني تجريم التطبيع يوم 26 أيار وقانون الامن الغذائي يوم 8 حزيران واعتبار تمرير هذا الأخير “انتصاراً آخر لفسطاط الإصلاح” ليغير من موقفه ويعلن استقالة النواب والانسحاب السياسي من البرلمان بشكل كلي. وبرغم إتساع دائرة الحديث والجدل عن أسباب هذا التحول، لم يجد احد من بين كل المهتمين بالشأن السياسي أو المراقبين الأقرب الى تحليل سياسات الصدر ومواقفه جوابا مقنعا لدوافع خطوته الأخيرة، ولعل الجواب يبقى غامضا الى حين غير منظور.

لم يكتفي الصدر بإنسحاب نواب تياره، وانما أمر بإغلاق جميع مكاتب التيار عدا مجموعة يرعون المراقد والمراكز المهمة للتيار والمكتب الخاص.

قرار الانسحاب بطبيعة الحال له تبعات كبيرة على التيار الصدري، اذ تحول من اكبر كتلة برلمانية تكاد تفرض هيمنتها على المشهد السياسي الحاكم الى كتلة شعبية معارضة حتى خارج مجلس النواب. وبذلك سيفقد كل الامتيازات السياسية والاقتصادية التي منحتها له هيمنته وحضوره السياسي المؤثر خلال الأعوام الماضية.

يرى مراقبون ان التفسير الأقرب لواقع وطبيعة التحرك الأخير لزعيم التيار الصدري ذو وجهين متباينين، الوجه الأول يعد قرار الانسحاب خطأ ستراتيجياً سيدفع ثمنه باهضاً، اذ ان خصومه سيعملون بكل قوة ان لا يكرروا الأخطاء الماضية ويمنحونه فرصة العودة من جديد وفرض هيمنته، بل سيعمدون الى اضعاف كيانات التيار الصدري خصوصا ما يتعلق بسرايا السلام والمكاسب الاقتصادية عبر سلطاته التنفيذية وتحجيم مواقعه الحكومية.

اما الوجه الاخر، وهو الوجه الذي يروج له مناصريه، بأنه أي الصدر بات يدرك جيدا أن النظام السياسي الحالي لن يدوم طويلا وأنه ماض الى زوال وأن أحزاب السلطة ستسقط تباعاً او دفعة واحدة، وعندها سيكون هو المنقذ، وسيعمل من خلال الحراك الشعبي على التعجيل بإسقاط النظام والمجيء بنظام بديل اكثر ملائمة مع الواقع العراقي، حتى أن بعضهم بات يشير الى أنه أي الصدر قد يذهب نحو النظام الرئاسي بدل النظام البرلماني الذي فشل في إدارة شؤون البلاد خلال العقدين الماضيين.

حدة التكهنات إزدادت مؤخرا حول طبيعة الخطوات القادمة للتيار وزعيمه في قادم الأيام، ولعل بعضها يتسم بقربه الى الواقع:

– المعارضة الشعبية: اغلب المراقبين يتوقعون بأن الصدر سيذهب الى المعارضة الشعبية وسينزل مناصريه للشارع متظاهرين ضد النظام السياسي مطالبين بتغييره. الصدر ليس بعيدا عن المعارضة وقد تمكن في الماضي استثمار المعارضة والحراك الشعبي ليصبح الفائز الأول في الانتخابات وأهم فاعل سياسي على الساحة، الا ان التظاهرات والحراك الشعبي لن يكون سهلا او طريقا معبدا للنجاح. اذ ان المنافسين اذا شكلوا حكومة، فسيكون بإمكانهم استخدام إمكانيات الدولة لإرضاء الشارع بشكل أو بآخر، خاصة اذا تم إجراء بعض الإصلاحات وإنجاز حزمة مشاريع عندها سيكون خيار التظاهر غير مرحب به كونها تؤثر بشكل سلبي على حياة شريحة كبيرة من المواطنين وفي مقدمتهم الكسبة وأصحاب المحلات والأسواق، الى جانب تخوفات الشارع من تدهور الوضع الأمني كمان ان استمرار هذه التظاهرات لفترة طويلة سيكون محل سخط ورفض شريحة كبيرة من المجتمع تفوق عدد المناصرين او المشاركين.