الثلاثاء, 15 فبراير 2022 3:55 م

بغداد/المركز الخبري الوطني: قال السفير السابق لجمهورية العراق في بروكسل، و رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات ( A E P B C )، الدكتور جواد الهنداوي ان ما طرحه رئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان المحترم  حول تعديل الدستور كضرورة يفرضها الواقع السياسي وما أوردهُ من ملاحظات و أستنتاجات يوفر  الفرص لتعديل صياغة الدستور لتلافي ما تضمنّهُ من نصوص و قواعد ، فرضها الواقع السياسي ،ولكنها تحول دون بنّاء الدولة .

وتابع: ولِدَ الدستور بعد مخاض يسير جداً بين رؤيتيّن : رؤية مُستترة ،صامته ، لا حولْ لها و لا قوة ، تُمتمتُ همساً بمصلحة الدولة ، و رؤية ناطقة وتصدحُ جهراً وعلناً بمصلحة المكوّنات ( شيعة ،سنة ،عرب ،كرد ، تركمان آشوريون ، وغيرهم ). و لا أشّكُ في نوايا وجهود اصحاب المكوّنات ،في حرصهم على مصلحة الدولة ،عند صياغة الدستور ،ولكنهم ظنوا بأنَّ مصلحة الدولة تمّرُ عبر مصلحة المكوّنات وليس العكس !
حين التقى اصحاب المكّونات او حين التقتْ المكونات حول مائدة اعداد و صياغة الدستور أزدحمت الاراء و المقترحات المكوناتيّة ، و تنافست من اجل الفوز في التثبيت على لوحة الدستور ؛ المكوّن الشيعي و المضطهد في الماضي كان أملهُ في المستقبل ،والمكوّن السني والذي تردّدَ في المشاركة و وافق جزئياً وعلى مضض كان خائفاً من المستقبل ، والمكّون الكردي صاحبهُ الخوف و الشك من الماضي وعلى المستقبل !
كُتِبَ الدستور وفق ذلك الواقع السياسي المآزوم ، فحملَ الدستور آمال الشيعة و مخاوف السّنة ومخاوف وشكوك الكُرد ، فجاء هجيناً يعوزه و ينقصه الكثير كي يكون منتجاً لنظام حكم قادر على بناء دولة . لا بلْ حملَ الدستور قدراً من الانسدادات و المُعّطِلات استطاعت ، ليس فقط تعطيل بناء الدولة ،وانما ساعدت في اشاعة الفساد والفوضى ، وقادرة ايضاً ( واقصد الانسدادات والمُعطِلات ) الى ايصال العراق الى التقسيم !

واستطرد: خلال مُشاركتي في اللجنة الاستشارية لصياغة الدستور ( حينها سفيرا في الديوان ونُسّبتُ بحكم الاختصاص القانوني والدستوري للجنة الاستشارية لصياغة الدستور ) ابديتُ الرأي الواضح والصريح بضرورة تبني نظاماً سياسياً شبه رئاسي او رئاسي ، وبينّت الاسباب ،
ولمْ امتنعْ عن القول و الافصاح عن ماورد في الدستور من احكام ونصوص مُعطّلة لبناء الدولة ، وكتبت ونشرت كُراساً بعنوان ” مراجعة تصحيحية لنصوص الدستور الاتحادي العراقي ” الطبعة الاولى عام ٢٠٠٦ ، دار الرافدين ،بيروت .
كنتُ مُدركاً وعلى يقين بما سيجلبهُ مصطلح ” الكتلة النيابيّة الاكثر عدداً ” ،الذي وردَ في المادة ٧٦ من الدستور ، مِنْ اختلاف في الاجتهادات والتفسير ، وعدم دقة في المعنى والتعبير ، و اقتبسُ مما كتبتهُ حينها مايلي ” كان رأينا ان يكون نص الفقرة اولاً من المادة المذكورة هو كالاتي : يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب او الكتلة السياسية او القائمة الانتخابية التي فاز /فازت باكثر المقاعد البرلمانية عدداً في الانتخابات …) والسبب في ذلك هو ضرورة و وجوب وجود معيار زمني او حدث سياسي معين ،على ضوئه يتم تحديد وتعريف الكتلة النيابيّة الاكثر عدداُ . وهذا المعيار او الحدث الزمني هو إمّا الانتخابات ،و اماّ منح الثقة او سحبها من الحكومة و اماّ حل مجلس النواب . فالحزب او التكتل او القائمة الذي /التي تفوز بالانتخابات ، وتحافظ على تفوقها العددي عند دخولها البرلمان هي من تتولى تشكيل الحكومة ، والحزب او التكتل الذي ينجح في سحب الثقة من الحكومة هو من سيتولى تشكيل الحكومة، لانه سيكون صاحب الاغلبية حتماً .

واستأنف القول: قرار المحكمة الاتحادية رقم ٧ لعام ٢٠٢٢، والذي تناول مفهوم ” الكتلة النيابيّة الاكثر عدداً “، جاء مطابقاً تماماً لنص المادة ٧٦ من الدستور مِن ناحيتيّن : اولاً ،لا يوجد الزام دستوري على رئيس الجمهورية بتكليف مَنْ سيشكل الحكومة في الجلسة الاولى لمجلس النواب ؛ والناحية الاخرى هو انَّ تشكيل الكتلة النيابيّة الاكثر عدداً ممكن ان يحصل خلال الجلسة الاولى او بعدها و تُقدمْ الى رئيس البرلمان ، وممكن ان تحصل حتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية. وهذا ما يؤكد مرونة مفهوم الكتلة النيابيّة الاكثر عدداً و تغييره وفقاً لحركة التحالفات و التكتلات و فقاً للأحداث السياسية البرلمانية ( انتخابات ،سحب ثقة عن الحكومة ،منح ثقة لحكومة اخرى ،حل مجلس النواب ).

واضاف:  ارى ان المادة ٧٥ من الدستور والتي تتناول حالة ” خلو منصب رئيس الجمهورية ” ، والتي تنص على ان يحّل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائب له …) مخالفة لمبدأ فصل السلطات ! وهذا ما ذكرته حينها ونشرته في الكراس المذكور اعلاه عام ٢٠٠٦ ،. واقترحت بان يحل رئيس مجلس القضاء الاعلى او رئيس المحكمة الاتحادية محل رئيس الجمهورية عندما يكون المنصب شاغراً بدلاً من رئيس مجلس النواب وذلك للاسباب التالية:
السلطة القضائية هي سلطة مهنية وليس سلطة سياسية كالسلطة التشريعية او السلطة التنفيذية ،والسلطة القضائية هي سلطة مستقلة ولا تتنافس مع السلطتيّن التشريعية والتنفيذية ، و تمكين رئيس مجلس النواب ( سلطة تشريعية ) من منصب رئيس الجمهورية ( سلطة تنفيذية ) يعارض مبدأ فصل السلطات . كما انَّ المادة ٥ من الدستور تنصُّ على ان السيادة للقانون وهذا يعني سيادة السلطة التي تمثّل وتطبّق القانون .
تعديل الدستور الاتحادي العراقي ضرورة مُلّحة اخلاقياً وسياسياً ، لأن الدستور هو القانون الاسمى للمجتمع وهو مصدر العدالة و اساس بناء الدولة .

وختم بالقول: ينبغي ان يكون معيار التعديل ليس الواقع السياسي وانما بناء الدولة وبناء المجتمع وبناء المواطن .
الواقع السياسي الذي حّلَ محل النظام السياسي السابق فرض مخاوفه وتناقضاته في صياغة الدستور ، علينا ان نجعل رؤينا لتعديل الدستور هو بناء الدولة والمجتمع و المواطن وليس الواقع السياسي المُعاش والذي يسعى الجميع الى تغييره بل استبداله .