الأحد, 14 نوفمبر 2021 10:24 م

د. سيف الدين زمان الدراجي
*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي.*
تُحدد المصالح الوطنية مسبقًا من خلال جغرافية البلد السياسية او تأريخه. لم تكن أولوية القادة العظام أبدًا متابعة مصالحهم فحسب – بل كانوا قلقين وحريصين على مصالح شعوبهم. *جوزيف ناي* .

مثل كل العلوم المترابطة ، يشهد مصطلحي الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك تشابكاً وغموضاً لمعاني هذين المصطلحين ودلالاتهما اللغوية في اللغات الأجنبية. بالإضافة إلى هذا الالتباس الدلالي، هناك أيضًا ارتباك في الترجمة ، يليه عدم وضوح ناتج عن الاستخدام غير الصحيح لهذين المصطلحين حتى بين السياسيين والخبراء.
إن مصطلح ” جيوبولتيك” مصطلح يركز بشكل أساسي على دراسة تأثير الأرض (برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها) على السـياسة، في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات من منظور مستقبلي، حيث يشير تقليدياً إلى العلاقة والسببية بين السلطة السياسية والبعد الجغرافي على وجه التحديد.
أما الجغرافيا السياسية فهي العلم الذي يبحث في تأثير الجغرافيا على السياسة أي الطريقة التي تؤثر بها المساحة، والتضاريس والمناخ على أحوال الدول والناس.
يُنظر للجيوبولتيك بشكل عام على أنه مجموعة من معايير التفكير الاستراتيجي والسمات المحددة بناءً على الأهمية النسبية للقوة البرية والقوة البحرية ( مضاف اليهما القوة الجوية وقدرات التمكين في الفضاء الخارجي). أكاديميًا ، يتضمن البحث الجيوسياسي؛ تحليل الجغرافيا والتاريخ والعلوم الاجتماعية، فضلاً عن مقاييس تقييم الأداء للسياسة المحلية والدولية (بدءاً من المستوى الوطني وصولاً إلى المستوى الدولي).
يُعنى الجيوبوليتيك بالبحث عن الاحتياجات التي تتطلبها الدولة لتنمو حتى ولو كان ذلك من وراء الحدود، وتسعى بذلك الى ان تكرس أهدافها للمستقبل، أي ان لها بعداً استراتيجياً يلعب دوراً رئيسياً في تعزيز المكانة الدولية والاقليمية لها.
‏تعمل الدول على تحديد أهدافها القومية بصورة واقعية اخذتاً بنظر الاعتبار دراسة جميع مكونات الدولة السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والأمنية والاجتماعية والجغرافية . ولما كان لعلم الجيوبولتيك من أهمية في حل الإشكاليات و دراسة التأثيرات والمتغيرات الدولية والاقليمية، والتي باتت تلعب دورا كبيرا في حياة الشعوب والأفراد، ركزت الدول بشكل كبير على ماهية علاقاتها وشكل سياساتها الخارجية والدفاعية ‏من أجل تعزيز فهم أوسع لطبيعة البيئة المحيطة بها ومرتكزات أمنها واستقرارها القومي.
ان تعزيز الأمن والاستقرار للدول يفرض على مفهوم الجيوبولتيك تبني سياسات واستراتيجيات تقوم على توفير المعلومات وتحليل المعطيات التي تحدد التهديدات التي من الممكن أن تقوض التوجهات الرامية إلى تحقيق الحماية والطمأنينة وتمتين عوامل التمكين والرفاهية. ومن أجل فهم الإطار الجيوبوليتيكي للأمن القومي برزت الحاجة إلى فهم سلوك النظام العالمي الذي يحدد الاهداف والغايات التي تسعى إليها الدول لفرض سيطرتها على مناطق ذات مواصفات جغرافية محددة، ‏ارضاً وسماءً ومياهاً وحتى فضاءً خارجياً، الأمر الذي كان ولا إزال سبباً رئيسياً لنشوب صراعات ونزاعات عديدة أدت إلى صعود قوى ونزول أخرى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أن الدول التي تحسن استثمار موقعها الجغرافي وفقا لسياسات داخلية وخارجية استراتيجية في إطار علاقات متوازنة، ستتمكن من ضبط آليات التفاعلات الدولية والإقليمية المحيطة، الصراعية والتعاونية، بناءً على تفاهمات وأسس وضوابط؛ سياسية واقتصادية و دبلوماسية ودفاعية وأمنية. الامر الذي سيعزز من قدرتها على التأثير واتخاذ القرارات الإستراتيجية التي تُراعي فيها ‏استقرارها ورفاهية شعوبها، وتجعلها بمأمن من التهديدات الخارجية المباشرة على أمنها القومي من جهة، ومن التدخلات الخارجية للقوى المعارضة التي تعمل على زعزعة الأمن الداخلي وتقويض الاستقرار المجتمعي من جهة أخرى.