الأربعاء, 10 نوفمبر 2021 11:16 م

فرهاد علاء الدين

١٠ -١١ – ٢٠٢١

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية بشكل نهائي يوم 16 من تشرين الأول الماضي وفتحت أبواب الطعون للمرشحين المشاركين في الانتخابات، وأعلنت يوم 8 تشرين الثاني موعدا لإنتهاء البت في الطعون المقدمة والبالغ عددها (1436) أدت الى إعادة العد والفرز لنحو (4324) محطة وكانت النتائج متطابقة، ورفعت نتائج الطعون الى الهيئة القضائية للانتخابات للبت في الطعون وإعلان القرار النهائي.

تعقد المشهد السياسي عقب اعلان النتائج الأولية التي كشفت عن فقدان العديد من الأحزاب التقليدية لمقاعدها سواء الحالية منها أو المتوقعة بحسب مصادرها، في حين فازت قوى سياسية جديدة ومتفرقة بعدد كبير من المقاعد. القوى السياسية انقسمت على نحو حاد بين مرحبة بنتائج الانتخابات وهي الكتل الفائزة ورافضة لهذه النتائج والكتل الخاسرة بطبيعة الحال. تقبلت القوى السياسية الكوردية والسنية الخاسرة نتائج الانتخابات مع اعلان تمسكها بحقها بالطعن دون أن تخفي شكوكها إزاء ما آلت اليه الإنتخابات، فيما ذهبت القوى الشيعية الخاسرة والمتمثلة بالقوى السياسية المنضوية تحت لواء الاطار التنسيقي الى التصعيد وتحشيد قواعدها لتنظيم مظاهرات وإعتصامات مازالت ترابط امام بوابات ومداخل المنطقة الخضراء وسط تهديدات وهتافات منددة ومطالبات بإعادة الانتخابات.

تصعيد خطير لاح فور اندلاع مواجهات رافقتها اعمال عنف بين المتظاهرين والقوى الأمنية اسفرت عن حرق خيم المتظاهرين واطلاق الرصاص الحي الذي أودى بحياة احد القيادات الميدانية لعصائب اهل الحق يوم 4 تشرين الثاني الجاري، تلاه التصعيد الأخطر بإستهداف منزل رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي بطائرات مسيرة محملة بقذائف صاروخية فجر يوم 7 تشرين الثاني في محاولة لإغتيال الكاظمي، مازال التحقيق جاريا لمعرفة الجهة التي تقف وراء العملية.

ان المجتمع العراقي وخصوصا الشيعي بات اليوم منقسما بين قوى سياسية متناحرة وهذه القوى لديها السلاح والامكانية لجر العملية السياسية نحو مزالق الانهيار بمجرد نشوب تصادم مسلح، وقد شهدت الأيام السابقة عدة منعطفات كادت ان تؤدي الى صدام كبير لولا تدخل القيادات السياسية لنزع فتيل الازمة والاحتكام الى لغة الحوار بدل العنف.

جدير بالذكر ان تواتر الاحداث لفتت أنظار المجتمع الدولي مرة أخرى الى العراق وما يجري داخل العملية السياسية، وقد ندد المجتمع الدولي والإقليمي وفي مقدمته مجلس الامن الدولي بمحاولة اغتيال رئيس مجلس الوزراء مع الإشارة هنا الى إحتمال تدويل الازمة العراقية في حال استمرار التوتر الحالي وتصاعد مسلسل التصعيد والمواجهة.

اختلال توازن القوى داخل الأغلبية

مع اعلان نتائج الانتخابات لوحظ اختلال توازن القوى داخل محيط الأغلبية الحاكمة وبالذات القوى التقليدية الممثلة في الاطار التنسيقي أي القوى الأساسية الحاكمة في العراق الى جانب التيار الصدري وبقية الأحزاب من المكونين الكوردي والسني. حيث خسرت هذه القوى عددا كبيرا من مقاعدها، على سبيل المثال، تراجع عدد مقاعد تحالف الفتح من 48 الى 17 بضمنها مقاعد عصائب اهل الحق من 15 الى 6 مقاعد وتراجع تحالف النصر الى مقعدين وتيار الحكمة من 19 الى مقعدين.

الى ذلك قفزت مقاعد التيار الصدري من 54 الى 74 ودولة القانون من 25 الى 34، وشهد صعود قوى جديدة افرزها الحراك التشريني مثل حركة امتداد التي حصلت على 11 مقعداً واشراقة كانون التي حصلت على 6 مقاعد بالإضافة الى تحالف تصميم 3 مقاعد فضلا على عدد من المستقلين.

بالرغم من تغير المشهد السياسي، الا ان القوى السياسية تريد التعامل مع المشهد الجديد بنفس الترتيب السابق، فهم يتصورون ان الأغلبية الشيعية تتمثل بحضور القوى التقليدية في الحكومة القادمة متناسين التغيير الكبير الذي طرأ على المشهد، حيث أصبحت الكتلة الصدرية تمثل ثقلا جديدا لا يمكن تجاهله، في نفس الوقت، هناك قوى كانت حاضرة في الاطار التنسيقي لم يعد لها تمثيل حقيقي في المشهد، كما ان القوى السياسية الجديدة يجب ان تكون حاضرة لتكتمل الصورة.

الاغلبية الشيعية لم تعد مقتصرة على القوى التقليدية مجتمعة، بل بقوى شيعية متمثلة بالتيار الصدري والقوى الصاعدة من اشراقة كانون وامتداد وبعض المستقلين، فهم يمثلون اكثر من 100 مقعد من اصل 182 مقعداً شيعياً الان. او ان تكون متمثلة بالتيار الصدري ودولة القانون حيث سيبلغ عددهم اكثر من 108 مقاعد، او ان تكون متمثلة بالتيار الصدري والفتح وتحالف قوى الدولة وبعض المستقلين وبذلك يتجاوز عددهم اكثر من 110 مقاعد، او ان تكون متمثلة بجميع القوى الفائزة والنواب المستقلين عدا التيار الصدري وبذلك يكون عدد مقاعدهم 108.

ينبغي التأكيد هنا بأن من الصعوبة بمكان تشكيل كتلة ذات أغلبية شيعية من دون التيار الصدري اذ ان تحالف الفائزين من المستقلين والكتل السياسية الأخرى معا شبه مستحيل وعليه فان تشكيل الأغلبية الشيعية في يد التيار الصدري بشكل او بآخر.

علما ان الأغلبية الشيعية وحكومة الأغلبية مفهومان مختلفان تماما، فالأولى تعني اغلبية الشيعة الممثلين في الحكومة وهم نواة هذه الحكومة والقوة السياسية التي تشكلها، اما حكومة الأغلبية فتعني حكومة أغلبية القوى الفائزة في الانتخابات من الشيعة والسنة والكورد. ولا يوجد عارض ان يمثل الشيعة أي من الأغلبيات التي اشرنا اليها آنفا.

في نفس الوقت، ان حكومة الأغلبية تعني ذهاب بعض القوى السياسية الى المعارضة، وقد أعلنت مجموعة قوى سياسية منها تحالف دولة القوى الوطنية وحركة امتداد والجيل الجديد والأحزاب الإسلامية الكوردستانية ومجموعة من المستقلين الفائزين بانهم لن يشاركوا في أي حكومة ولن يكونوا جزء من الكتلة الأكبر، فيما سيتم اقصاء بعض الكتل السياسية التي تود المشاركة لكن القوى الفائزة سوف ترفض مشاركتها وقد يشهد البرلمان القادم تشكيل معارضة سياسية.

لذا يجب المضي بتشكيل حكومة الأغلبية ولكن بتوافق جزئي وليس توافق كلي وهذا التوافق الجزئي سوف يخلق برلمان مؤيد للحكومة يتكون بحدود 200 – 230 نائباً ومعارضة يتراوح قوامها بين 80 – 100 نائب.

مفاوضات تشكيل الحكومة القادمة

ماراثون مفاوضات تشكيل الحكومة لم يبدء مبكراً داخل أروقة الحوار السياسي بعد اعلان النتائج الاولية حتى في إطار ما يوصف بمرحلة التمهيد وجس النبض، كون جميع القوى الفائزة تنتظر اعلان النتائج النهائية ومصادقة المحكمة الاتحادية، ولحين ذلك الوقت، لن تتشكل تحالفات فعلية بين أي من الكتل السياسية.

افاد مصدر مطلع بان القوى السياسية المعترضة على نتائج الانتخابات حصلت على وعود من جهات ذات العلاقة بانه سيكون هناك إعادة نظر في الطعون وقد تحصل بعض التغييرات في النتائج بسبب هذه الطعون، وعليه فانها لحد اللحظة بانتظار حسم ملف الطعون الانتخابية. ولا يخفى ان البعض منها يعقد امالا بازدياد عدد مقاعده على حساب بعض الفائزين وخاصة المستقلين.

فيما تنتظر القوى الفائزة اعلان النتائج النهائية لعبور مرحلة التمهيد والدخول في المفاوضات الجدية لرسم خارطة طريق تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب. بمعنى اخر يبقى الجمود السياسي سيد المشهد ولن يتغير الا بعد اعلان النتائج الذي سيكون إيذانا بدخول مرحلة الحوار الجدي والمختصر لتشكيل الكتلة الأكبر والمضي بانعقاد جلسة مجلس النواب وانتخاب رئيس المجلس ونوابه ومن ثم انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس مجلس الوزراء وتوزيع الوزارات بين الكتل الفائزة.

التيار الصدري وتشكيل الكتلة الاكبر

كسر زعيم التيار الصدري السياق المتبع في مفاوضات كتلته مع الشركاء بمشاركته شخصيا في التفاوض مع الكتل السياسية، وهذا يعني بأنه يريد حسم الموضوع بشكل سريع سواء بإنضمام الشركاء الشيعة او عدمه، ذلك أن التيار لديه قناعة بإمكانية تشكيل الكتلة الأكبر شيعيا وعراقيا بمعزل عن بقية بعض أطراف المكون الشيعي كونهم لايمتلكون العدد المطلوب لتشكيل الكتلة الأكبر.

الا ان حراك الكتلة الصدرية تشوبه الغموض والخمول مقارنتا بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وهناك مؤشرات غير إيجابية على حراك التيار، اذ انسحب الوفد المفاوض للتيار الصدري من اللقاءات الرسمية مع الكتل والشخصيات الفاعلة على الساحة السياسية، في الوقت الذي يجب عليهم تكثيف الجهود والاتصالات مع هذه الكتل والشخصيات لتطمينهم من جانب وضمان بقاءهم على خط التواصل بشكل دائم من جانب اخر.

في ذات الوقت اجرى زعيم التيار تغييرات كبيرة في الهيئة السياسية والوفد المفاوض في أكثر الأوقات حساسية، وتسليم زمام الأمور لشخصيات قيادية مقربة منه برغم كونهم بعيدين وحتى وقت قريب من التواصل أو حتى الإقتراب من الكتل السياسية، ونال هذه التغيرات استغراب المراقبين والشركاء السياسيين ويعتقد البعض منهم بانه من الممكن ان يؤدي التغيير الى فتور في العلاقات او برود في التعامل لحين التعرف على الفريق الجديد، اذ ان معظم القوى السياسية لا تعرف القيادات الجديدة ولا تعرف اسلوبهم في العمل عن قرب بالرغم من وجود رئيس الهيئة السياسية السابق ضمن الفريق الجديد.

ان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق التيار الصدري في بدء الحراك نحو تشكيل الكتلة الأكبر والمضي الى انقاذ العملية السياسية وسط مخاوف القوى الأخرى من تسيد التيار للمشهد السياسي لذلك يتوجب على التيار تقديم التطمينات اللازمة للشركاء السياسيين بكل ما يتعلق بالمرحلة القادمة وكيفية ادارتها الى جانب ضرورة استيعاب القوى المؤثرة داخل البيت الشيعي مع الحفاظ على وجود معارضة داخل البرلمان.

فشل الكتل السياسية في المضي في اكمال المسيرة الانتخابية وتشكيل حكومة جديدة وتبني برنامج حكومي جديد سيفضي للدخول بالجميع الى نفق مظلم لن تكون نهايته سوى انهيار العملية السياسية وسط عزلة دولية تفرضها المجتمع الدولي بقرار اممي.

رئيس المجلس الإستشاري العراقي